16 سبتمبر 2025

تسجيل

ديوان المظالم

08 سبتمبر 2011

لا ينبغي أن تضيق صدورنا بتعدد المطالب الفئوية، لأنها في حقيقتها من تجليات الشعور المتراكم بالظلم. ومادامت الثورة المصرية وضعت العدل الاجتماعي ضمن أهدافها الرئيسية، فمن حق المظلومين أن يتعلقوا بذلك الأمل، وأن يرفعوا أصواتهم عاليا بمطالبهم. وليس لنا أن نلومهم أو نتبرم من تصرفاتهم، إذا كانوا قد صدقوا شعارات الثورة واهتدوا بها. وإذا تفهمنا موقف الغاضبين واحترمنا مشاعرهم ومطالبهم، فيتعين علينا أن نفكر فى أمرين، أولهما ترشيد الغضب بحيث لا يفتح الباب لاحتمالات التخريب أو إثارة الفوضى التي تعطل مصالح الخلق، وثانيهما توفير مسار يسمح للغاضبين أن يقدموا مظلمتهم إلى من يستطيع أن ينصفهم ويرفع عنهم إصرهم. أرجو ألا أفهم خطأ، بحيث يظن أنني أدعو لأن يعود الناس إلى بيوتهم لكي يبتلعوا غضبهم ويكفوا عن الصياح مطالبين بحقوقهم. لأن ما قصدته عكس ذلك تماما، ليس تضامنا مع الغاضبين وأصحاب الحقوق فقط، ولكن أيضا لأن خروج الناس وإصرارهم على رفع أصواتهم في مواجهة السلطة ــ أي سلطة ــ «أثبت فاعليته وضرورته، وربما بغيره ما كانت خطوات إيجابية كثيرة قد اتخذت. لكن السؤال الذي أردت أن أناقشه هو: إلى أين يتوجه أصحاب المطالب من المحتجين والغاضبين؟ ما دعاني إلى فتح ذلك الملف هو ما قرأته صباح الاثنين الماضي 5/9 عما وصفته صحيفة الأهرام بأنه «انفجار مفاجئ للمطالب الفئوية في القاهرة و6 محافظات أخرى». الأمر الذي اضطر الحكومة إلى استخدام سيارات متنقلة لصرف المعاشات بعد إضراب موظفي البريد. وعن نفس الموضوع ذكرت «الشروق» أن النوبيين حاولوا إحراق مبنى محافظة أسوان وحطموا مكتب المحافظ. بسبب عدم تبني مطالبهم بالعودة إلى توطينهم حول ضفاف بحيرة النوبة. وكان من بين الذين أعلنوا الاحتجاج في ذلك اليوم أئمة وزارة الأوقاف وموظفو مجلس الدولة والعاملون في مترو الأنفاق وشركة مياه القاهرة والنصر لصناعة السيارات. وامتدت الاحتجاجات إلى مدن المحلة الكبرى والمنصورة وبني سويف والفيوم ..الخ. كأن الأحد كان أحد أيام الغضب في مصر. وهو أمر مفرح ومحبط في الوقت نفسه. مفرح لأنه دال على أن الناس عندنا تخلوا عن الاستكانة، وكسروا حواجز الصمت والخوف وتسلحوا بجرأة جعلتهم يرفعون أصواتهم في مواجهة «الأكابر» مهما علت رواتبهم. وهو محبط لأن اتساع هذه الدائرة وشيوع الاحتجاجات يعني إرباك قطاعات الخدمات والإنتاج، كما يعني أن الجميع سيكونون في الشارع، وأن أحدا لن يكون في مواقع العمل التي تهم الناس وتخدمهم. ويبقى السؤال الكبير والتحدي الأكبر: كيف نحتفظ بهذه الجرأة ونضعها في إطارها الصحيح بحيث تصب في النهاية في خانة الإضافة للمجتمع وليس الخصم منه. إذا جاز لي أن أجيب عن السؤال فإنني أدعو إلى التفرقة بين المطالب الوطنية والمطالب الفئوية، وأزعم أن الغيورين على المطالب الوطنية ينبغي أن يخرجوا إلى الشارع ولا مانع من الاعتصام به لكي يوصلوا رسالتهم، مادامت لا توجد في الساحة مؤسسات منتخبة تمثلهم وتنوب عنهم في تلك المهمة ــ ويفترض في هذه الحالة أنهم على قدر من الوعي والتوافق يسمح باستثمار الاحتشاد في الشارع بشكل رشيد، يسمح بالثبات على موقف الدفاع عن القضايا الوطنية ويحسن ترتيب أولوياتها. أما المطالب الفئوية فإنني أدعو إلى تخصيص جهة محايدة ذات بأس وصلاحية، لاستقبال تلك المطالب ودراستها مع الجهات المعنية تمهيدا لحلها. ويحضرني في اللحظة الراهنة عنوان «ديوان المظالم». الذي كانت تلك مهمته. ويرجح أن الذي أنشأه هو الخليفة الراشد علي بن أبي طالب. وهي الفكرة التي قام عليها مجلس الدولة في فرنسا، واقتبسناها في مصر. ويختص مجلس الدولة هنا وهناك بالنظر في منازعات الأفراد مع السلطة ولذلك فإنه يتبع رئيس الدولة الذي يفترض أنه صاحب سطوة تمكنه من إلزام الأجهزة الرسمية بإنصاف العاملين بها. رغم أن مجلس الدولة في مصر يؤدي مهمته بكفاءة في التعامل مع النزاعات القانونية التي تعرض عليه، إلا أنني اعتبر أن ديوان المظالم يشكل مظلة أوسع تتيح له فرصة التعاطي مع المظالم الاجتماعية التي تعرضها عليه الفئات المختلفة، خصوصا إذا كانت لها نقابات تمثلها. أما تحديد الصلاحيات أو «السطوة» المفترضة لكي يؤدي الديوان رسالته، فذلك مما يحدده القانون الذي يؤسسه. إننا لا نستطيع أن نطالب الفئات بالتوقف عن الاحتجاج والغضب، ومن ثم تعطيل عجلة الإنتاج ومصالح الخلق، قبل أن نوفر لها بديلا يختص برفع المظالم بعد دراستها، وفكرة الديوان، قد تلبي هذه الحاجة، وليس يعيبها سوى شيء واحد في نظر البعض هو، أن الإمام «عليـَّا» أطلقها في زمانه، وأنها ليست مستوردة من الغرب.