18 سبتمبر 2025

تسجيل

الاختراق للجميع

07 يونيو 2014

من تنظيم المظاهرات إلى تنظيم الحكي، ومن تشديد القبضة الأمنية على الشارع إلى بسطها على الفضاء الإلكتروني، ومن حماية المجتمع إلى مراقبته. هذه هي الرسالة التي تلقيناها من إنشاء وزارة الداخلية ما سمته نظام رصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي. وهي الخطوة التي كشفت عنها صحيفة «الوطن» حين نشرت يوم الاثنين 2/6 كراسة الشروط الخاصة بمناقصة الداخلية التي دعت فيها الشركات المتخصصة لتقديم عروضها في هذا الصدد. الحجة التي قدمتها الوزارة لإنشاء ذلك النظام هي أنها أرادت به مواجهة «الخطر المستطير والتحدي الأمني الخطير» الذي باتت تمثله شبكات التواصل الاجتماعي. وفي عرضها لمظاهر ذلك الخطر المستطير فإن كراسة الشروط أوردت قائمة طويلة من الشرور بدءا من ازدراء الأديان والحض على الفسق والفجور ونشر الخرافات، انتهاء بنشر الشائعات وتشجيع التطرف والعنف والحشد للتظاهر والاعتصام (ذكرت كراسة الشروط بين الشرور «الدعوة للتطبيع مع الأعداء»، وهي إشارة محيرة، لأن التطبيع مع إسرائيل حاصل بمقتضى اتفاقية السلام، الأمر الذي يثير سؤالا حول المقصود بالأعداء في هذه الحالة).الشاهد أن الداخلية بررت قرارها بأن الدافع إليه هو مواجهة خليط من الرذائل الأخلاقية والرذائل السياسية. وفي الأجواء الراهنة التي يتم فيها ترتيب أوضاع الرئاسة الجديدة، فإننا لا نبالغ كثيرا إذا قلنا إن الإشارة المتعلقة بالغيرة على الأخلاق كانت غطاء للجهد المراد بذله في مراقبة الأنشطة السياسية، والدور الذي يقوم به النشطاء. إذ المطلوب هو التعرف على الأشخاص الذين يمثلون خطرا على المجتمع (النظام) وتحديد اتجاهاتهم وتحليل آرائهم، والتعرف على العلاقات التي تربطهم ببعضهم البعض. مطلوب أيضاً تسليط الضوء على الموضوعات الأكثر شيوعا والأقوى تأثيرا على تلك الشبكات وتتبع مقالات الكتاب خلال فترات زمنية مختلفة... إلخ.بكلام آخر فإن كل اتصال يظن أنه له خصوصية، سواء من خلال الهاتف المحمول أو الإنترنت أو الكمبيوتر ما عادت له الحصانة المستقرة في الأذهان أو التي نص الدستور على حمايتها، ولم يسمح باختراقها إلا لاعتبارات قضائية وبإذن النيابة. ولكن إذن الداخلية أصبحت طرفا ثالثا فيها دون أن يشعر المرء، أو يأذن القضاء، وتتولى التنصت على الملايين في هذه الحالة شركات متخصصة تقوم بجمع المعلومات الخاصة بالأفراد وتزويد الداخلية بها. وقد أعد موقع صدى مصر دراسة حول الموضوع استعان فيها بآراء بعض الخبراء الذين سلطوا أضواء مهمة على الحدث. من ذلك مثلا أن تنصت الداخلية على النشطاء ليس جديدا، على الأقل فمنذ عام 2008 دخلت المؤسسة الأمنية على الخط، إذ توافرت لها إمكانات تتيح لها التجسس على النشطاء، بالتعاون مع قطاع الاتصالات ممثلا في شركات المحمول أو الإنترنت. وحين تم اقتحام مقر أمن الدولة في عام 2011 تم العثور على مستندات ومحاضر الاجتماعات التي كانت تتم بين الأجهزة الأمنية وبين ممثلي الشركات العاملة في مجال الاتصالات. وطوال الفترة الماضية كانت الداخلية تراقب الإنترنت والكمبيوتر بوجه أخص، لكن الجديد في الموضوع أنها بالمناقصة التي كشف النقاب عنها مؤخرا أرادت أن توسع نطاق الرقابة، بحيث تشمل أكبر دائرة ممكنة في وسائل وقنوات الاتصال. بمعنى أنها بصدد مراقبة الفيسبوك وتويتر ويوتيوب والصحف التي تظهر على النت، إضافة إلى مراقبة برامج المحمول مثل الحوارات والمناقشات التي تجرى بين الأشخاص عبر واتس آب وفايبر. المهم أن هذه الأنشطة والاختراقات كلها تتم بطريقة سرية، ودون اعتماد على أي أدلة. ثم إن أحدا لا يعرف أين تذهب تلك المعلومات التي تجمع عن ملايين البشر، ولا كيف سيتم توظيفها.في تقدير «صدى مصر» أيضاً أن المناقصة تعكس خوف النظام من أي شيء مختلف في المجال العام، خصوصا أن أغلب البنود المطلوب رصدها وفقا لكراسة الشروط لا علاقة لها بالإرهاب، وتضمنت معايير فضفاضة ومطاطة تتعلق أساسا بالحق في المعرفة والتعبير، ثم إن المعلومات المطلوب جمعها هائل ويتطلب إنفاق مئات الملايين من الجنيهات، الأمر الذي يشكل إهدارا لموارد الدولة. ذلك أن المبالغ الطائلة التي ستنفق في شراء الأجهزة وفي حشد جيش الباحثين والمحللين، ستتبلور في نهاية المطاف في متابعة عدد محدود من مستخدمي الإنترنت، وهو ما كان يتم في السابق بتكاليف أقل كثيرا.إن المادة 57 من الدستور تنص صراحة على أن «للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو مراقبتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محدودة، وفي الأحوال التي يحددها القانون، كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين باستخدام وسائل الاتصال العامة بكل أشكالها. ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها بشكل تعسفي وينظم القانون ذلك».التجسس الذي تقوم به المؤسسة الأمنية، وزارة الداخلية أو غيرها على المواطنين يعصف بكل ذلك، ويتم منذ عهد مبارك بالمخالفة للقانون والدستور. والحاصل الآن لا يثبِّت ما كان فحسب ولكنه يطوره ويوسع من نظامه كثيرا، بحيث لا تكون هناك أي قناة اتصال بين البشر بعيدة عن الاختراق والتنصت.إن السؤال الذي يخطر على بال المرء وهو يلحظ ذلك الجهد الذي يبذل لتطوير المنظومة الأمنية وإحكام الرقابة والتجسس على الناس هو: لماذا لا نلمس جهدا مماثلا يبذل في تطوير التعليم وتشجيع البحث العلمي وتحسين الخدمات الصحية التي تقدم لخلق الله؟ وهو سؤال لا أطرحه للاستفهام، لأن إجابته معروفة، ولكني أورده تعبيرا عن الاستنكار والحنق لا أكثر!