17 سبتمبر 2025
تسجيللا يشرّف نقابة الصحفيين المصريين أن تزيد لأعضائها البدلات في حين يبقى ٥٧ صحفيًا في السجون والمعتقلات، زيادة البدلات مهمة لا ريب، لكن حرية الصحفي وكرامته أهم بكل المقاييس، ورغم أن حكاية البدلات ليس مقطوعا بها، ولكنها لا تزال شائعة أو أمنية يتحدث بها البعض، إلا أنني لم أستطع أن أفصل بين «الهدية» التي ينتظر أن تقدمها السلطة في احتفال النقابة في ذكرى مرور ٧٥ عاما على إنشائها في الأسبوع المقبل، وبين السكوت على استمرار وجود هذا العدد الكبير من الصحفيين في السجون والمعتقلات، بسبب ممارستهم لعملهم المهني. أدري أن بيانات الشبكة العربية لحقوق الإنسان تذكر أن بين هؤلاء ٢٧ فقط من أعضاء النقابة، والباقون مارسوا عملهم الصحفي قبل أن تنتهي إجراءات قيدهم، مع ذلك فالثابت أنهم سجنوا لأنهم كانوا يمارسون عملهم المهني وليس لأي سبب آخر. ثم إن قيدهم من عدمه قضية إدارية تتعلق بالإجراءات تحاسب عليها النقابة، لكن حبسهم أثناء قيامهم بعملهم وبسببه قضية مهنية لا تستطيع النقابة أن تتخلى عنها وإلا فقدت أساس شرعيتها.لا يكفي أن يرد على ذلك أو يبرره القول بأن المظاليم كثيرون، وإن الصحفيين ليس على رأسهم «ريشة» كما يردد البعض، وبالتالي فإنه لا ينبغي استثناؤهم والمطالبة بإطلاق سراحهم دون غيرهم. وهي مقولة لا اعتراض لي عليها، ولعلي لست بحاجة بأن أذكر بأنني مع الإفراج عن كل مظلوم. لكننا بإزاء مناسبة الاحتفال بذكرى إنشاء النقابة، الأمر الذي يسوغ التذكير بملف الصحفيين المسجونين، الذين يعد استمرار احتجازهم لسنة أو اثنتين لا يخالف مبدأ منع الحبس في قضايا النشر فحسب، ولكنه يضرب الأساس الذي قامت عليه فكرة إنشاء النقابة في عام ١٩٤١. وستظل المفارقة شديدة حين نذكر أنه بعد ٧٥ سنة من إنشاء النقابة وصل عدد الصحفيين المسجونين إلى ٥٧ شخصا وهو أكبر رقم للمحبوسين عرفته المهنة في تاريخها.فيما فهمت فإن احتفال النقابة بالمناسبة سوف يستمر ستة أيام تتخللها فعاليات عدة. ودهشت حين قيل لى إن مناقشة موضوع الصحفيين المعتقلين لم تدرج ضمن تلك الفعاليات رغم أنني أزعم أنه أحد أهم العناوين التي ينبغي أن تحتل صدارة المناقشات. وإذا صح ذلك فلا تفسير له سوى أن وراءه ضغوط الأجهزة الأمنية التي لا يسرها أن تسلط الأضواء على الموضوع، بحيث يظل محجوبا وراء ستائر النسيان. وأذكر هنا بأن ضغوطًا مماثلة وربما أقوى مورست على نقيب الأطباء وأعضاء النقابة لإلغاء الاجتماع الطارئ الذي دعت إليه دفاعًا عن كرامة الأطباء الذين اعتدى عليهم بعض أمناء الشرطة. إلا أن النقيب أصر على عقد الاجتماع وأعلن في بدايته أنه قاوم الضغوط التي استهدفت إلغاءه. ولا أعرف إلى أي مدى تمارس الأجهزة الأمنية ضغوطها على نقابة الصحفيين لكنني لا أستطيع أن أتجاهل تلك الضغوط. كما أنني لا أستطيع تجاهل اختراقات تلك الأجهزة للمهنة، الذي نشهده في أداء بعض الإعلاميين. إلا أن الثقة كبيرة في نقيب الصحفيين، الذي أرجو أن يكون قادرًا على مقاومة الضغوط التي يتعرض لها، لأنه سيظل مخيرًا بين أن يرضي الأجهزة الأمنية وبين أن يدافع عن كرامة الصحفيين وحقوقهم، باعتبار أن الجمع متعذر بين الاثنين.إن حالة زميلنا الأستاذ مجدي حسين عضو مجلس النقابة السابق ورئيس تحرير جريدة الشعب تعد نموذجًا صارخًا للظلم الذي ينبغي أن تتبنى النقابة موقفًا شجاعًا لرفعه. فالرجل أمضى نحو سنتين في الحبس بسبب انضمامه إلى مجموعة الدفاع عن الشرعية، وحين لم يثبت بحقه مخالفة للقانون صدر قرار إخلاء سبيله مع آخرين من النشطاء. لكنه استثني وتم الإبقاء عليه سجينا حين تبين أن عليه حكمًا بالسجن ثماني سنوات في قضايا نشر سابقة، وحين طعن في الحكم فإن إدارة السجن رفضت السماح له بحضور جلسة الطعن. الأمر الذي دعا القاضي إلى اعتباره غائبا وثبت الحكم عليه. ولم يتم ذلك مصادفة، لكنه إجراء لم يكن له تفسير سوى استمرار التنكيل به ومنعه من حضور جلسة الاستئناف.أمثلة ذلك التعسف كثيرة وأحدثها ما جرى لزميلنا الأستاذ خالد البلشي وكيل نقابة الصحفيين الذي صدر قرار بضبطه وإحضاره قبل أيام من الاحتفال بالعيد الماسي، ثم تأجل تنفيذه ربما لتهدئة الأجواء في المناسبة، لكنه لم يلغ.لو كنت محل نقيب الصحفيين الذي تحسب له العديد من المواقف المستقلة والشجاعة لألححت على إزالة الوصمة وحل مشكلة الصحفيين المسجونين في مناسبة الاحتفال المزمع إقامته. ذلك أن هذه الخطوة هي التعبير الأفضل عن احترام المهنة، أما زيادة وزارة المالية للبدلات فهي تبرع فيه من شراء الولاء بأكثر مما فيه من الاحترام.