16 سبتمبر 2025

تسجيل

بالسياسات لا بالقرارات

05 نوفمبر 2015

الخبر السار أن الحكومة المصرية استنفرت لضبط الأسعار والحد من الغلاء. الخبر المؤسف إن ذلك لم يحدث إلا بعد توجيه الرئيس السيسي في خطبة الأحد الماضي (١/١١)، أما الخبر المقلق فإننا لجأنا إلى تسكين المشكلة وليس حلها.خلال الأيام الثلاثة الماضية حفلت الصحف اليومية بأخبار التأهب لخوض المعركة، التي بدا أن القوات المسلحة ستقوم بدور قيادي فيها. وهو ما عبرت عنه جريدة «الشروق» (في ٣/١١) بعنوان على الصفحة الأولى ذكر أن «الجيش يبدأ هجوم ضبط الأسعار»، من خلال المنافذ التي أقامها لبيع السلع. ورأينا صورة جرى تعميمها على أغلب الصحف لإحدى سيارات النقل الكبيرة المحملة بالسلع، وقد ظهرت عليها بوضوح كتابات أشارت إلى أنها تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية. وذكرت أن العربة «منفذ بيع لحوم ومنتجات القوات المسلحة».الحملة تحركت بعد خطبة الأحد التي تطرق فيها الرئيس إلى الموضوع ضمن أمور أخرى، وأثار فيها أربع نقاط وردت في العبارات التالية: لن نسمح بارتفاع الأسعار ــ ستقوم الحكومة والقوات المسلحة بتوفير جميع السلع بأسعار مناسبة ــ في نهاية شهر نوفمبر الحالي ستنتهي الدولة من ضبط الأسعار ــ المشكلة تكمن في معدل النمو السكاني (٢.٥ مليون مولود في السنة)، الذي يمثل تحديا خطيرا ينبغي التعامل معه بجدية كى يصبح عقبة في طريق التنمية.فى اليوم التالى مباشرة (الاثنين) تحركت أجهزة الدولة تنفيذا لتوجيهات الرئيس، وهو ما نقلته صحف الثلاثاء ٣/١١، فجاء عنوان جريدة «الشروق»، الذي أشرت إليه عن «هجوم الجيش»، الذي تحدث أيضا عن أن «القوات المسلحة تدفع بسيارات لبيع الموارد الغذائية». وذكرت العناوين الرئيسة لجريدة «الأهرام» ما يلى: «سلع غذائية بأسعار مخفضة في ٤ آلاف منفذ» ــ التموين: التوسع في إقامة السلاسل التجارية بجميع المحافظات. وتحدثت جريدة المصري اليوم عن انفرادها بنشر تفصيلات «خطة الحكومة لتنفيذ وعد الرئيس بحصار الأسعار» ــ و... قروض سيارات للشباب و١٦٨ ألف مشروع صغير ومتوسط، ومنافذ بيع للجيش» إلى غير ذلك من الأصداء والتفصيلات التي أبرزتها وسائل الإعلام الأخرى.المشهد يستدعي ملاحظات عدة، ألخصها في خمس نقاط، هي:• يثير الدهشة والقلق ألا تتحرك أجهزة الدولة إلا بعد إشارة أو توجيه من الرئيس. إذ من حقنا أن نتساءل: أين كانت تلك الهمة والمبادرات خلال الفترة الماضية، والغلاء يطحن الناس ويثير سخطهم حينا بعد حين، ولماذا لا يؤدى كل مسؤول في التموين أو غيره العمل المنوط به دون انتظار التوجه الرئاسي. الذي ثبت أنه وحده الذي يحرك الركود ويوقظ الأجهزة النائمة والمسترخية. وما نحن بصدده نموذج كاشف لتلك المشكلة العويصة التي تعاني منها البيروقراطية المصرية. ذلك إنها ما زالت فيما يبدو أسيرة المرحلة الفرعونية، السابقة على قيام الدولة وابتكار نظم الإدارة والرقابة والتقاليد المؤسسية. وذلك وضع سوف يستمر طالما ظل المجتمع مكبلا ومهمشا، ولا دور فيه للمؤسسات الرقابية الرسمية والشعبية في حين بقيت كل الخيوط في يد رأس الدولة.• إن تحميل الجيش بالمسؤولية عن حل مشكلة الغلاء لا يثقل كاهله فقط، ولا يستدرجه إلى مزيد من الانشغال بالأعمال المدنية التي يفترض أن يقوم بها غيره فقط، وإنما هو يشغله أيضا عن مهمته الأساسية المتمثلة في حماية حدود الوطن وأمنه. وإذا كانت هناك أسباب دعت إلى تكليفه ببعض المهام في سيناء ضمن ما سمى بحملة «حق الشهيد». فإن دوره في حملة «حق المستهلك» مشكوك فيه، لأنها مشكلة دائمة وعصية، ناهيك عن أن ذلك يحمله بما لا يطيق ويقحمه فيما ليس مؤهلا له.• إن مشكلة الغلاء لا تعالج بقرارات، ومن المغامرة القول بأنها ستحل خلال شهر في بلد تعداد سكانه تسعين مليونا، ولا أستبعد أن تؤدى الإجراءات إلى تخفيض الأسعار خلال أيام معدودة قد لا تتجاوز أسبوعا، لكن ذلك لن يقضى على ظاهرة الغلاء، التي تعالج بسياسات متبعة وليس بإجراءات وقرارات سلطوية. هل خاصمنا السياسة حتى في الإنتاج؟! إذ بدلا من أن نعول على المبادرات التي تؤدى إلى زيادة الإنتاج وتوفير السلع للناس وإعادة النظر في سياسة الاستيراد، فإننا لجأنا إلى الإجراءات المتمثلة في زيادة منافذ البيع ومحاربة جشع التجار.• بدلا من أن نخوض معركة زيادة الإنتاج، فإننا عدنا إلى الحديث عن مشكلة زيادة النسل، وهو ليس حلا بقدر ما أنه هروب من الحل. لأن زيادة السكان لا تكون عبئا إلا في حالة العجز عن استثمار الطاقات البشرية والفشل في توظيفها في الاتجاه السليم. ولنا عبرة في الدول المليارية (الصين والهند)، التي اعتبرت نموها السكاني ثروة استثمرتها وليس عبئا عوق نموها. وقد رأينا أن الصين، التي وصل عدد سكانها إلى مليار و٤٠٠ مليون نسمة غيرت في الأسبوع الماضي من سياسة التقيد بإنجاب طفل واحد، الأمر الذي سوف يسرع من نموها السكاني، ولم تعتبر ذلك عبئا ولا خطرا.• ملاحظتي الأخيرة أننا في مواجهة قضية شائكة ومعقدة مثل مشكلة الغلاء استقبلنا فقط قرارات الرئيس وتوجيهاته، ولم نسمع شيئا عن آراء الخبراء ومقترحاتهم، الذين لا يشك أحد في وجودهم، ولا يستبعد أن تكون لهم رؤى أخرى واجتهادات أصوب وأوفق. في هذا الصدد فإنني أخشى أن نكون قد عدنا إلى زمن التعويل على أهل الثقة وضم أهل الخبرة إلى جوارنا في مقاعد المتفرجين.