16 سبتمبر 2025
تسجيلثمة شائعات متواترة عن «نية» إطلاق سراح دفعة من الشبان المعتقلين في مصر، فمن قائل أن قائمة بأسماء ١٢٠ شخصا أرسلت إلى الجهات المعنية لفحصها تمهيدا لاتخاذ القرار بخصوصها، وقائل بأن الرقم ٣٠٠ وليس ١٢٠ شخصا، لكن الذي لم يختلف عليه أحد من الرواة أن النية قائمة والدراسة مستمرة، والقرار متوقع في أي وقت، ورغم أن تلك الشائعات تبعث على بعض التفاؤل، فإنها تثير قدرا لا يستهان به من البلبلة والحيرة، أحد أهم أسباب الحيرة أن الكلام في الموضوع أكثر من الأفعال، حتى يبدو وكأن القصد منه هو التهدئة والتسكين لا أكثر، آية ذلك مثلا أن الحديث عن الوعد الرئاسي بإطلاق سراح الشباب (في عام الشباب) مستمر منذ أواخر شهر ديسمبر عام ٢٠١٤، إذ تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء لقائه مع شباب الإعلاميين (في ٣/١٢/٢٠١٤) عن أن الموضوع محل بحث أمام اللجان المختصة، وطبقا لما ذكره تقرير لصحيفة «اليوم السابع» وثيقة الصلة بالمصادر الأمنية (عدد ٢٢/١/٢٠١٥) فإن الرئيس تحدث في الموضوع واعدا بحسمه خلال خمسين يوما، لكنه عاد وتطرق إليه مرة أخرى مكررا ذات الوعد أثناء زيارته للصين وأكد عليه في الإمارات في عام ٢٠١٥، وهذا العام تكرر الحديث مجددا في الموضوع، وتم بالفعل صدور قرار بإطلاق سراح أكثر من ٧٠٠ شخص ممن تعدوا ثلاثة أرباع مدة محكومياتهم، لكن تبين أنهم من الجنائيين وليس السياسيين، وهو ما يعني أن ملف السياسيين لا يزال محل بحث ودراسة، حالات الشبان المرشحين للعفو مازالت تحت الفحص. الأمر الذي يثير السؤال التالي: لماذا تنجز عملية الإفراج عن الجنائيين دون عوائق، في حين أن ملف السياسيين يظل متعثرا دائما؟قبل أن أحاول الإجابة عن السؤال أستأذن في رواية قصة شخصية قصيرة، ذلك أنه في الخمسينيات كنت سجينا في سجن مصر، كانت زنزانتي في الطابق الأرضي، وليس فيها سوى «برش» خشن مفروش على الأسفلت. وكان في الزنزانة المجاورة محمد العشماوي باشا وزير المعارف الأسبق، الذي اعتقل آنذاك لإجبار ابنه المستشار حسن العشماوي الذي كان مطلوبا ومختفيا على تسليم نفسه، وتقديرا لمقام الرجل الطاعن في السن فإنه أعطي «مرتبة» لكي ينام عليها، إلا أنني كنت أشاهد من النافذة العلوية للباب رجلا يعامل باحترام خاص، إذ زودت زنزانته بسرير وطاولة ومقعد، الأمر الذي أثار فضولي، فحرصت على أن أتعرف على قصته بحكم أننا «زملاء» في سجن واحد. علمت حينذاك أنه متهم في قضية «دعارة». وإن صدمني ذلك وأدهشني فإنني تعلمت من القصة أن المتهم في الدعارة في نظر النظام والجهاز الأمني أفضل حالا من السجين السياسي، ويبدو أن هذه «العقيدة» لم تتغير حتى الآن، الأمر الذي قد يفسر لماذا يتأخر إطلاق سراح المسجونين السياسيين ويستغرق وقتا أطول بكثير من السجين الجنائي.وإذ أتمنى ألا يكون ذلك صحيحا، فإن المشهد يثير أسئلة أخرى منها ما يلي: هل يطلق سراح هؤلاء لأنهم شباب أم لأنهم مظلومون؟ وما وضع مظلومية الآخرين من أطفال وشيوخ، وحالاتهم الصارخة مسجلة لدى الجهات المعنية؟ وهل يطلق سراح هؤلاء لأن منهم أناسا مشهورين أم لأن مظلوميتهم لاشك فيها؟ وكيف يمكن تعويض هؤلاء عن الأشهر والسنوات التي قضوها رغم الثقة في براءتهم؟ وإذا كان من الجيد أن يطلق سراحهم، فإن من المفيد أن ندرس حالاتهم جيدا للتعرف على ظروف اعتقالهم، حتى لا يتكرر مع غيرهم ما حدث معهم؟ ثم، كم عدد المعتقلين في سجون مصر؟ إذ يتداول الجميع الرقم ٤٠ ألفا في حين يذكر مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان المحامي جمال عيد أن عددهم ٦٠ ألفا؟ وهل إطلاق سراح عدة مئات هو لقطة للتهدئة أم أنه تعبير عن سياسة تستهدف إغلاق ذلك الملف المليء بالأحزان والأوجاع والدموع؟لا أعرف من يملك شجاعة الإجابة عن الأسئلة أو مناقشة ما تثيره من نقاط، لكن الذي أعرفه أن الأجهزة الأمنية في مصر وعلى رأسها وزارة الداخلية دأبت على إنكار كل المعلومات التي يرددها الشهود وتوثقها التقارير الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية، وتعتبر أن الهدف من كل ذلك هو الإساءة إلى سمعة مصر وإسقاط نظامها، في حين أن صمتها وتجاهلها للموضوع يظل وصمة في جبين مصر هي أكثر ما يشوه صورتها.