15 سبتمبر 2025

تسجيل

أجراس أزمة الثقة

05 يناير 2017

حظر النشر في قضية انتحار مستشار مجلس الدولة لم يوقف سيل التعليقات التي حفلت بها مواقع التواصل الاجتماعي في بر مصر، البعض شكك في صحة الرواية مثيرا السؤال: نحر أم انتحر؟ البعض الآخر سخر من القصة منطلقا من عدم تصديق وقائعها التي ذكرت وشكك في الهدف من إطلاقها. فمن قائل أن المراد تشويه مجلس الدولة لتمرير التعديل المريب المقترح على قانون السلطة القضائية، وقائل بأن المستهدف صرف الانتباه عن التطورات المثيرة الحاصلة في قضية جزيرتي تيران وصنافير.لست في وارد إبداء رأى في الموضوع لأن ملاحظتي الأساسية تتمثل في اتساع نطاق الشك في التصريحات والبيانات الرسمية، ذلك أن صوت الشك كان عاليا فيما أعلن، وفيما سوف يعلنه الطب الشرعي الذي يفترض أن يحسم الأمر ويجيب عن السؤال: نحر أم انتحر؟ وهذه الشكوك ليست من فراغ لأن ثمة اقتناعا شائعا خلاصته أن الحسابات والملاءمات السياسية هي التي ستحسم المسألة. وليس تحقيقات النيابة أو تحريات الأمن أو تقارير الطب الشرعي. ذلك إن خبرات أهلنا في مصر أقنعتهم بأن السلطة مهيمنة وممسكة بمفاتيح وخيوط كل تلك الجهات. والتوصيف الرائج في هذا الصدد ينبه إلى أن السلطة تملك الأوراق والشهادات وبيدها الأحراز، كما أنها تملك أختام التصديق على كل شيء.إذا دققنا في خلفيات المشهد جيدا فسنجد أن عنصر الثقة فيما يصدر عن السلطة تراجع إلى حد كبير، ولئن تواترت الشهادات التي أيدت تراجع شعبية السلطة، وتحدث في ذلك كثيرون، فلا نستطيع أن نتجاهل أن تراجع الثقة يعد أحد العوامل التي أسهمت في تراجع الشعبية فنحن نعيش هذه الأيام أصداء الزلزال الذي ضرب المجتمع المصري بعد رفع الأسعار وتعويم الجنيه، الذي قيل لنا أنه لن يؤثر على محدودي الدخل، في حين ثبت أنهم على رأس الضحايا الذين قصمت الإجراءات الأخيرة ظهورهم. كما أن كثيرين لم يفهموا حكاية المشروعات العملاقة التي تنفق عليها المليارات في حين أن سكان القبور في مصر يتراوح عددهم بين مليون ومليوني مواطن، كما أن ثمة انهيارات مشهودة في الخدمات الأساسية، في الوقت ذاته فإننا نفهم أن تشيع البلبلة بين الناس حين يجدون التصريحات الرسمية تنفى التعذيب والاختفاء القسري، في حين أن التقارير الحقوقية المستقلة المحلية والدولية وثقت ما لا حصر له من حالات التعذيب والاختفاء. وتتضاعف البلبلة حين تتعدد المخالفات الدستورية في قانون التظاهر والجمعيات الأهلية، وحين يصدم المجتمع بعبث السلطة بالحكم الإداري الصادر بإبطال اتفاقية تيران وصنافير، من خلال إحالته إلى البرلمان رغم انعدامه من الناحية القانونية. الأمر الذي يعد إهدارًا للقانون والدستور في الوقت نفسه. وإذ يتصور الناس أنهم انتخبوا برلمانا يمثلهم ويحاسب الحكومة، فإذا هم يكتشفون أنه يمثل السلطة ويرفض رئيسه أي نقد للحكومة...إلخ.مفارقات التناقض بين الأقوال والأفعال كثيرة. وأزمة حرية التعبير التي نشهدها الآن في مصر جاءت لتنبه الجميع بأن الإصلاح في مصر أصبح ينصرف فقط إلى المحاولات الجارية في مجال الاقتصاد. وأن الإصلاح السياسي ليس مدرجا على القائمة، وأن حلم الدولة المدنية والديمقراطية كان انفعالا عارضا من أصداء ثورة يناير ٢٠١١، التي صار البعض يعتبرها غلطة ومؤامرة، جرى تصحيحها بإلغاء شعاراتها التي تمثلت في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.إن طريق استعادة الثقة لا سر فيه ولا سحر، والمشكلة ليست في الاستدلال عليه، ولكنها تكمن في توفر الاستعداد للمضي فيه والوفاء باستحقاقاته. وذلك الاستعداد لم تؤيده شواهد الواقع بعد، رغم أننا نقرأ عنه كثيرًا في صحف الصباح.