16 سبتمبر 2025

تسجيل

المشكلة في التشخيص لا العلاج

04 أغسطس 2016

حين يصبح المستثمرون المصريون ضمن أهم مشتري العقارات في دبي فإن ذلك ينبغي أن يستوقفنا ليخضع للدراسة والتحليل. ذلك أن دائرة الأراضي والأملاك في الإمارة الخليجية أعلنت قبل أيام عن أن ٧١٠ مصريين اشتروا خلال الأشهر الستة الماضية عقارات. بما قيمته ١.٤ مليار درهم (نحو خمسة مليارات جنيه مصري). وبذلك فإنهم احتلوا المرتبة الثانية بين مشتري العقارات العرب. إذ جاء الأردنيون في المرتبة الأولى، وحل المصريون في المرتبة الثانية يليهم اللبنانيون. وكان هؤلاء ضمن ٢٦ ألف مستثمر يتوزعون على ١٤٩ جنسية اشتروا عقارات بما قيمته ٥٧ مليار درهم إماراتي. لا جدال في أن دبي أصبحت جاذبة للاستثمار بفضل استقرارها وكفاءتها الإدارية والتنظيمية، الأمر الذي يدعونا إلى ضرورة التفكير الجاد في الإجابة عن السؤال: لماذا أصبحت مصر دولة طاردة للاستثمار؟. في أذهاننا ونحن نطرح السؤال خلفية تزاحمت فيها تصريحات المسؤولين المصريين عن جهود وتيسيرات جذب الاستثمار، وعن المليارات الآتية التي روجت لها وسائل الإعلام عقب انعقاد المؤتمر الاقتصادي الكبير في شرم الشيخ. ومع تلك التصريحات والعناوين المتفائلة يتراءى لنا شريط طويل يتضمن صور الرئيس المصري وهو يستقبل بنفسه بعض ممثلي الشركات الكبرى الذين يفدون أو يدعون إلى زيارة مصر للتعرف على إمكانات الاستثمار فيها والتيسيرات التي توفرها السلطة للمستثمرين. تضعنا تلك الخلفية أمام مفارقة تستحق التسجيل، إذ في حين نتوقع أو نتمنى أن تتوافد الاستثمارات الأجنبية على مصر، فإننا نفاجأ بأن المستثمرين المصريين أنفسهم رحلوا عنها، ووجدوا في دبي «ملاذا آمنا» لهم ولأموالهم. وإذا لاحظت أن الخبر الذي خرج من دبي تحدث عن ٧١٠ من المصريين اشتروا عقاراتهم خلال النصف الأول من العام الحالي، بعد الاستقرار النسبي لنظامها السياسي الجديد في عامه الثالث. فإن الدراسة المرجوة يفترض أن تتحرى أعداد المصريين الذين نزحوا قبل ذلك التاريخ بأموالهم أيضا سواء إلى دبي أو إلى أوروبا وأمريكا. أعني معدلات النزوح أو الطرد الاستثماري حين كانت الأوضاع في مصر أكثر اضطرابا بعد قيام نظام الثالث من يوليو عام ٢٠١٣. إذ من الناحية المنطقية على الأقل يفترض أن يكون النزوح في ظل الأوضاع المضطربة أكبر منه في ظل هدوئها النسبي. وحين يصبح الأمر كذلك فإنه يسلط الضوء قويا على حقيقة أن الوضع السياسي والاقتصادي لا يزال غير مطمئن للمستثمر المصري، ولا تسأل في هذه الحالة عن المستثمر الأجنبي. لا أعرف ما إذا كانت الأخبار التي خرجت أخيرا من دبي بخصوص المشتريات العقارية للمستثمرين المصريين قد خضعت للتحليل والدراسة في القاهرة أم لا، لكن الذي أفهمه أن هؤلاء إما أنهم أرادوا الاطمئنان على أموالهم في ظل التدهور المستمر لقيمة الجنيه المصري، أو أنهم أرادوا البحث عن فرص جديدة للاستثمار بعيدا عن المعوقات التي تكبلهم في مصر. أو أنهم وجدوا أن مناخ دبي يوفر لهم إمكانات للحركة والتفاعل مع الاقتصاد العالمي لا تتيحها لهم الأجواء المصرية. ولست واثقا من جدية الحجة التي تفسر النزوح باعتباره من نتائج توسع النشاط الاقتصادي للقوات المسلحة، الأمر الذي ضيق فرص العمل أمام القطاع الخاص المدني. ومن ثم دفع بعض رجال الأعمال إلى الخروج من السوق المحلية إلى أسواق أخرى خارجية! لا عتاب على دبي بطبيعة الحال، وإن كان لنا أن نغبطها ونغار منها. وبذات القدر فإننا لا نستطيع أن نتوجه باللوم أو العتاب لرجال الأعمال المصريين الذين فعلوها، لكن الأوضاع الداخلية المصرية هي التي تستحق أن تدرس لمحاولة الإجابة عن السؤال عن مصر الطاردة للاستثمار وعن فشل دعوات جذب المستثمرين في تحقيق مرادها؟. وشرط الإجابة الصحيحة أن نكون قادرين على نقد الذات بشجاعة تسمح بتحديد صريح لمواضع القصور والجهات المسؤولة عنه. ومن الأهمية بمكان أن يشمل ذلك النقد ليس فقط السياسة الاقتصادية وإنما أيضا مجمل الأوضاع السياسية والأمنية التي أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه. إذ ثمة كلام كثير ينتقد فكرة التعويل على الاقتراض وتقديمه على أولوية الإنتاج، وعلى مسألة المشروعات القومية التي استهلكت ما كان ينبغي أن يضخ لدفع عجلة الإنتاج، فضلا عن دور عدم الاستقرار الأمني في إحجام المستثمرين، إلى جانب الغموض الذي يحيط بآلية إصدار القرار السياسي والاقتصادي...إلخ. لأن قائمة تحرير ما جرى طويلة، فإنني أزعم أن المشكلة الحقيقية تكمن في شجاعة تشخيص الأزمة وليست فقط في إيجاد حل أو علاج لها.