17 سبتمبر 2025

تسجيل

يريحنا ولا يطمئننا

03 فبراير 2016

إخلاء سبيل رسام الكاريكاتير إسلام جاويش يريحنا، لكنه لا يطمئننا ولا يبدد شعورنا بالانزعاج والقلق، لأن ما جرى له ليس حادثا عارضا أو استثنائيا، لكنه حلقة في مسلسل استهدف أعدادا غير قليلة من الباحثين والناشطين الذين كانت جريمتهم الوحيدة أنهم ظلوا ملتزمين بالصدق والجدية والشجاعة فيما يؤدونه من أعمال، ولم ينضموا إلى مواكب المهللين والمصفقين والشتامين. وبسبب نزاهتهم فإنهم حافظوا على استقلالهم طول الوقت. فاتفقوا مع السلطة في أمور واختلفوا معها في أمور أخرى، وسلاحهم في كل ذلك لم يتجاوز كلمة حق يجهرون بها، مقروءة كانت أم مصورة ومرسومة، أو حتى من خلال مسيرة أو مظاهرة سلمية.أتحدث عن قائمة طويلة من الأشخاص الذين يصدم المرء حين يجد أنهم متهمون في قضايا وهمية أو موقوفون تحت التحقيق أو احتجزوا ثم أخلي سبيلهم أو منعوا من دخول البلاد أو الخروج منها. هذه القائمة تضم أناسا سابقين على إسلام جاويش من أمثال هشام جعفر وإسماعيل الإسكندراني وحسام بهجت وعمر حاذق وعاطف بطرس وطاهر مختار وأمثالهم كثيرون من غير المعروفين. أضف إليهم شباب ٦ أبريل و٢٥ يناير ومعارضي قانون منع التظاهر، ولم تستثن المنظمات الحقوقية المستقلة من الملاحقة والقمع. حتى أن منظمة الشفافية ومكافحة الفساد منعت من عقد مؤتمر لها بأحد فنادق القاهرة خلال الأسابيع الأخيرة. وشملت الملاحقة منظمة ألمانية تنموية لها سمعتها الدولية الرصينة هي «فريدرش ناومان»، الأمر الذي اضطرها إلى تصفية أعمالها في مصر، بعد أن ظلت تعمل فيها منذ أكثر من أربعين عاما، ونقلت مقرها أخيرا إلى تونس.في أخبار هذا الأسبوع أن مجموعة من شباب المحلة الكبرى تواعدوا على القيام بزيارة لمعرض الكتاب، والتقوا أمام مقر مجلس المدينة بانتظار الحافلة التي ستحملهم إلى القاهرة. وهو ما لفت انتباه أحد ضباط الشرطة فشرع في استجوابهم واستفسر عن وجود آلة تصوير مع أحدهم، ثم طلب منهم إبراز هوياتهم، وبعد أن احتفظ بها طلب منهم التوجه إلى قسم أول المحلة للتحري واتخاذ ما يلزم!ومن أخبار الأسابيع التي سبقت أن انتخابات اتحاد طلاب الجامعات المصرية تنافست فيها قائمتان واحدة رتبتها الأجهزة الأمنية والثانية ضمت المستقلين من شباب الثورة. وحين فازت القائمة الثانية بـ١٣ مقعدا من ١٦، وفاز مرشحا المستقلين برئاسة الاتحاد ونائبه، جرى الالتفاف على النتيجة وطعن في الانتخابات ثم صدر قرار بإبطالها.هؤلاء الأشخاص وتلك المؤسسات لم تكن لهم علاقة بالإرهاب ولا صلة لهم بالإخوان، ومع ذلك استهدفهم القمع بصور مختلفة، ذلك أن نشاطهم ظل محصورا في مجالات البحث والإعلام وحقوق الإنسان، والآخرون لم يكن لهم صلة بتلك المجالات لكن مشكلتهم أنهم تحركوا بصورة مستقلة وخارج دائرة التوجيه أو الرعاية الأمنية.هذه الخلفية تعطي انطباعا بأن كل مستقل أصبح مهددا بصورة أو أخرى، إعمالا لمبدأ أن كل من ليس معنا فهو ضدنا، وهو ما يسوغ لنا أن نقول إن السلطة والأجهزة الأمنية التابعة لها انتقلت من الصراع ضد الإخوان إلى الاشتباك مع فعاليات المجتمع المدني. ولأن الأولى حسمت إلى حد كبير فإن التركيز أصبح منصبا على رموز وأنشطة تلك الفعاليات التي تنظم حركة المجتمع بمختلف شرائحه. وهو ما أشاع حالة من الإحباط والغضب عبرت عنها التعليقات التي تحفل بها مواقع التواصل الاجتماعي. واستوقفني من تلك التعليقات ما ذكره أحدهم من أن تلك الإجراءات التعسفية والقمعية تحدث في ظل ما أطلق عليه «عام الشباب»، الأمر الذي يعبر عن مفارقة جسيمة تعمق الفجوة وتنسف رصيد الثقة بين السلطة والمجتمع. وقال آخر إن الأمور إذا تصاعدت مؤشراتها في ظل السياسة القائمة فقد ينتهي العام بشن حملة لتصفية الشباب للخلاص من الصداع الذي يسببونه للسلطة.إضافة إلى حالة الإحباط والغضب التي تشيعها تلك الإجراءات بين شرائح المجتمع فإنها تمثل أكبر إساءة للنظام القائم، في داخل مصر وخارجها. الأمر الذي يضعنا أمام مفارقة عبثية تتمثل في أن ممارسات أجهزة السلطة لا تكف عن الإساءة إلى النظام والدولة، في حين يتبنى أنصار النظام وممثلو أجهزته إقامة ائتلاف لدعم الدولة داخل مجلس النواب، كأن الدولة صارت تضم معسكرين أحدهما يشوه الصورة ويهدمها والثاني يحاول ترميمها وتجميلها.