15 سبتمبر 2025

تسجيل

«مؤامرة» السيول

02 نوفمبر 2016

هل هناك مؤامرة وراء هجوم السيول التي أغرقت وخربت ست محافظات في مصر، في توقيت متزامن مع ختام مؤتمر الشباب في شرم الشيخ؟ لا أستبعد أن يكون البعض قد طرح السؤال، بعدما درجنا على إرجاع العديد من النوازل التي حلت بنا إلى مؤامرات «أهل الشر» الذين يتربصون بمصر ولا يرجون لها خيرا. لا تستغرب، فقد حدث ذلك حين أغرقت الأمطار مدينة الإسكندرية. وقيل إنهم (أهل الشر) سدوا البلاعات، وحين شح الدولار وانفلت عياره، وحين اختفت أسطوانات البوتاجاز، وحين تكرر انقطاع التيار الكهربائي وتم تسريب أسئلة الامتحانات. وأخيرا حين شاعت البلبلة في البلد وخيم عليها «التشاؤم».في كل ذلك كانت الأبواق تسارع إلى رفع العتب والإشارة إلى مخططات أهل الشر. وكانت خيوط المؤامرة تسرب إلى وسائل الإعلام ووراءها أجهزة التوجيه المعنوي وتحريات الأمن الجاهزة، التي لم تقصر في التعبئة والشحن لتصفية الحسابات والتساوق مع الريح السياسية.مشكلة السيول أنه رغم توفر بعض شواهد التآمر فيها، إلا أنه ثمة صعوبة جمّة في التوظيف السياسي لها. ذلك أن إغراق ست محافظات وترويع سكانها شهادة على أن مصر «مستهدفة». كما يثير الانتباه ويرفع من وتيرة الشك أن يتزامن انطلاق السيول في أجواء السخط العام الذي يعم البلد بسبب الغلاء الفاحش ومع ختام مؤتمر الشباب الذي كان بمثابة عرس نظمته الرئاسة وكان الرئيس أبرز نجومه. كما يثير التساؤل أن تجتاح السيول محافظتي البحر الأحمر وجنوب سيناء الواقعتين في محيط شرم الشيخ فتحدث ما أحدثته من دمار وغضب ثم تقطع طريق عودة المشاركين في المؤتمر. من ثَمَّ فإن حبك التهمة لن يستعصي على جهات الاختصاص، لكن المشكلة الكبرى تكمن في الجهة أو الجهات التي يمكن أن ينسب إليها التآمر ويتم بناء على ذلك إلقاء القبض على «الخلية» التي افتعلت الأزمة.لا أستبعد أن يستشهد أحد خبراء مكتب نسج المؤامرات بفكرة «مجلس إدارة العالم» التي أطلقها أحد الخبراء من زملائه في العام الماضي، وأعلن على شاشة التلفزيون أن المجلس المذكور بمقدوره أن يطلق الأعاصير ويفجر البراكين ويحرك الزلازل. ذلك أن من يدبر كل ذلك سيكون بوسعه أن يسلط السيول الجارفة نحو أى هدف يراد إغراقه وتخريبه. وهي فكرة لا تخلو من جاذبية، رغم أنها لم تؤخذ على محمل الجد حينذاك وصارت مثيرة للتندر والسخرية. إلا أن التوظيف السياسي لها قد يحدث مفعولا عكسيا، لأن الحديث عن «أخونة» مجلس إدارة العالم يجهض الفكرة ويحولها من خرافة إلى كذبة أو نكتة كبرى.إزاء انسداد أبواب الافتعال والتلفيق، لم يكن هناك مفر من الكف عن دفن الرءوس في الرمال والاعتراف بأن الكارثة منتج محلي صرف، وأنه إذا كانت هناك مؤامرة، فإن أيدينا هي التي نسجتها من خلال الإهمال الجسيم وسوء التدبير. ذلك أن السيول لها موعد سنوي، ولها طرق تسلكها، ولم يتحسب أحد للموعد (رغم أن مصلحة الأرصاد نبهت إليه قبل شهر من الكارثة) ولا عولجت أو روعيت الطرق بما يحول دون تحول السيول إلى كارثة سنوية.قرأنا عن انعدام التنسيق بين الجهات الحكومية التي تقسم الأراضي والطرق. وعن تعثر إعداد أطلس للسيول، وعن خطة قومية لمواجهة السيول أعلن عنها في عام ٢٠١٤، ثم تبين أنها «كلام جرايد» يحدث أثره في حينه ثم ينسى آخر النهار، الشاهد أن جهاز الإدارة لم يتخل عن موقفه التقليدي، الذي بمقتضاه لا يتم التعامل مع الأزمات قبل وقوعها ولكن الانتباه من الغفلة والاستيقاظ من النوم لا يحدثان إلا حين تقع الواقعة وتحدث الكارثة. وليست تلك هي المشكلة الوحيدة، لأن هناك مشكلة أخرى تتمثل في أن أحدا لا يحاسب على الإهمال والاستهتار. لأن كل الجهد منصرف إلى الأمن السياسي. أما الأمن الاجتماعي فهو في مرتبة تالية، رغم أن إغراق ست محافظات بالسيول ومقتل ٢٥ شخصا وإصابة ٧٠ آخرين عمل إرهابي بامتياز. ومشكلة هؤلاء أنهم من الغلابة أبناء البطة السوداء.