13 نوفمبر 2025

تسجيل

كل عام وعيوننا تحمل هم دموع ليست في مآقينا

31 ديسمبر 2012

• اليوم آخر أيام عام سيخرج من بين ظهرانينا محملاً بدم، ودمع، وألم، ويتم وفقد، وحزن، وفقر، وجوع، وزلازل عنيفة ضربت أرواحنا بوجع، جعلها تتشظى وتتكسر ومازلنا نجهد في جمع الزجاج المكسور وقد جرح أقدامنا! غداً يشرق صباح جديد يقول إننا كبرنا عاماً، فهل أدركنا في خضم ضجيج الناس ولهوهم أن العام المسافر هو بعضنا الذي يمضي منا ونشيعه مبتسمين؟ هل أدركنا أننا نقترب من المحطة التي سينزلنا فيها القطار من بين ركابه لننضم إلى عالم آخر، تاركين الاتساع إلى الضيق، والنور إلى العتمة، والضجة إلى السكون، والكلام إلى الصمت، والركض إلى السُبات، والسراب الكثير إلى الحقيقة الوحيدة؟ هل حاولنا أن ندرك أن ما نحن ذاهبون إليه في آخر محطة مختلف كلياً عما كناه، وعشناه، وأملناه، ورغبناه، وضيعنا ربيع أعمارنا ونحن نخلص الاهتمام لقشوره؟ ما الخواطر التي يمكن أن تداهمك وأنت تلحظ أن العالم يقول (باي باي) لعام طويل عاشه بحلوه ومره؟ ما الخاطر الذي يستوقفنا فنلتفت إليه وقد كان وليداً لموقف مررنا به لنعض أطراف أصابعنا ندماً والروح تقول لنفسها ليته ما كان؟ أي خواطر توجعك الآن وأنت تتذكر؟ كبائر؟ صغائر؟ عقوق؟ اتهام برئ؟ قذف محض؟ زور وبهتان؟ لحظة غضب؟ مال حرام في جوف أطفالك؟ استغلال محتاج؟ فساد ذمة وأكل حقوق؟ كثيرة هي الخواطر التي قد تزورنا خاطفة بوخز مؤلم، كثيرة هي المواقف في جردة حساب نهاية العام، ليس المهم أن نتذكرها محتملين وخزاتها الآنية إلى حين، الأهم عهد مع الروح بالإقلاع عن السواد، كل السواد لينتصر فينا النور على الطين، ليس صعباً اسألوا من جرب. • * * • لاحظت كثيرين في بدايات الأعوام يهدون عطراً، ورداً، حلوى، قطعاً ذهبية أو فضية فاخرة! أيكون ذلك لمواساة المهدى إليه عن آلام تجرعها طوال عام منصرم؟ أم أنها هدية تشد الأزر ومعناها (أجمد كده وشد حيلك قدامك سنة بحالها؟) اليوم أخالف كل الهدايا أعلاه لأهدي عزيزي القارئ ما وقعت عليه يدي أمس فوجدت أنه أوفق هدية مع بداية عام جديد، دون تقصد فتحت الكتاب لتطالعني صفحة فيها الحكاية التي تقول (كانت أشد لحظات حياتي مرارة حين طرق "العمدة" باب بيتي فوليت هارباً من الباب الخلفي للدار وكنت قبل اثنتي عشرة سنة أحسب أنني أتربع على قمة العلم فلقد بعت إحدى رواياتي لقاء مبلغ ضخم مكنني من أن أقضى مع عائلتي سنتين متجولين في أوروبا كما يفعل أصحاب الملايين، عرضت عليَّ عروض سخية كي أبقى في هوليود وأتفرغ للتأليف السينمائي لكنني لم أقبل وقفلت عائداً إلى نيويورك، وهناك بدأت متاعبي، فقد خطر لي أن لي مواهب كامنة لم أحاول الاستفادة منها، وخيل إليَّ أنني رجل أعمال بارع قدير دون أن أدري، وحدثني بعض معارفي أن "جاكوب آستور" قد كسب ملايين الدولارات من الاتجار بالأراضي في نيويورك، ومن ثم عولت على أن أكون ثرياً أمثل! وكنت على جهلي مقداماً فخطر لي لكي أبدأ مشروعاتي المالية الضخمة أن أرهن منزلي، ففعلت واشتريت أرض بناء واعتزمت أن احتفظ بها حتى يدب العمران في تلك الأنحاء ويرتفع سعر أراضيها فأبيعها، نعم أنا الذي لم يبع في حياته شبراً من الأرض! وفجأة انقضت الأزمة الاقتصادية كالصاعقة فزعزعتني كما تزعزع العاصفة الهوجاء غصناً طرياً، واجتاحني القلق وحاولت دفعه بكتابة المقالات والقصص الفكاهية للمجلات وعبثاً كانت محاولاتي، لم أستطع أن أبيع شيئاً من مؤلفاتي، فشلت الرواية التي كتبتها في هذه الأثناء، ولم يعد لديَّ ما أستطيع أن أحصل على المال في مقابله سوى الآلة الكاتبة وأغطية ذهبية لبعض أسناني، وثقل عليَّ القلق حتى هزمني النوم، وانتهى الأمر بأن فقدت الأرض الفضاء التي علقت عليها أحلامي، واستولى المصرف الذي رهنت منزلي لديه على المنزل وأوفد (العمدة) ليطردني وعائلتي منه إلى عرض الطريق، استأجرت شقة متواضعة وهناك جلست على إحدى الحقائب أتلفت حولي فرن في أذني قول كثيراً ما رددته أمي على مسمعي "لا تبك على اللبن المراق" ولكن ما أريق في حالتي لم يكن لبناً، بل كان دماً! وبعد ساعة في جلستي تلك قلت لنفسي (ها أنت قد غصت إلى القاع ونجوت، لم يبق إذن إلا أن تطفو على السطح فلم يعد هناك أسفل من القاع، وظللت أفكر في الأشياء التي سلمت من الرهن أو الضياع فرأيت أنني مازلت أملك صحتي وأصدقائي فعولت على أن أبدأ من جديد، ولا أبكي على الماضي، وحولت طاقة النشاط التي كنت أبددها بالقلق إلى العمل المجدي، وإني اليوم لشاكر لله ما ابتلاني به من نوازل فقد أولتني قوة، واحتمالاً، وثقة، وحين يتسلل إليَّ القلق الآن أستطيع أن أقصيه بتذكير نفسي بالوقت الذي غصت فيه إلى القاع ونجوت". هذا ما كتبه "برسي هو ايتنج" مدير شركة "ديل كارنيجي" بنيويورك، أعجبتني حكايته وأسوقها اليوم للموجوعين، المأزومين المصدومين بمفاجآت الحياة إذ دائماً غداً يوم آخر نستطيع فيه أن نبدأ. • * * • وقفات تبرق في خاطري • مع كل عام يرحل وآخر يأتي يتجدد رجائي بتضميد نزف قلب الفلسطيني المتهم أبداً بأنه (إرهابي) إلى أن يثبت العكس الذي لا يريد كثيرون إثباته، مازال عالقاً في خاطري كلامه وهو يقول حصلت على أربع شهادات، كنت أتعلم في خيمة تغص بأقراني، كنت أشق كيس طحين وكالة غوث اللاجئين لأغطي به لحمي صيفاً وشتاء، كثيراً ما عجز عن ستر عورتي، عرفت طعم مرارة الاحتياج في وطن محتل خيره لغيرنا فعوضت نقص المال بالعلم، نحت الفلسطيني في الصخر ليتعلم ويهزم مرارة واقعه وقد سُلب كل شيء حتى حوائط أربعة في الوطن المنهوب، من يقدر حزن الفلسطيني المتهم أينما ذهب؟ هي مصرنا الموجوعة كان المقاوم مادة تلقفتها الصحافة وكذا الفضائيات المسمومة لتشيع أنه مع الزمرة التي يحقق معها في تمثيلية اسمها محاولة اغتيال رئيس نادي القضاة بكل مبالغاتها المضحكة وقد نفى كثيرون حدوث أي اعتداء أصلاً على (الزند) الممثل! من يعرف آلام الفلسطيني؟ من يدري بأحزانه؟ من يدري بأوجاع اغترابه في المنافي؟ من يدري بعذاباته، وملاحقاته، من يدري بكل صور التضييق عليه، مؤلم جداً كل ما يعانيه، ومؤلم جداً أن يستغل الطامعون في السلطة المناوئون لصندوق الانتخابات والدستور وجود فلسطينيين في مصر ليلصقوا بهم تهمة ارتكاب جرائم ثورة الخامس والعشرين دون أن يهتز لهم ضمير، وتستمر المعاناة، ويستمر الفلسطيني ملاحقا وهو المتهم دون تهمة بلاد العُرب ليست أوطانه، إذا ساعده أخ أنكره إخوة، وإذا امتدت له يد بالعون بخلت أياد، ولك الله أينما كنت أيها الغريب الطريد! • * * • طبقات فوق الهمس • هناك كلمات لها ظلال تعيش طويلاً، تصلح لكل وقت، وكل أوان، يقول الرافعي "بعد الموت يقول الناس أقوال ضمائرهم لا أقوال ألسنتهم، إذ تنقطع مادة العداوة بذهاب من كان عدواً، وتخلص معاني الصداقة بفقد الصديق، ويرتفع الحسد بموت المحسود، وتبطل المجاملة باختفاء من يجاملونه، وتبقى الأعمال تنبه إلى قيمة عاملها، ويفرغ المكان فيدل على قدر من كان فيه، وينتزع الزمن ليل الميت ونهاره فيذهب اسمه عن شخصه ويبقى على أعماله". • اكتشفت أنني خاصمت العطر عندما ضربوها (بنابالم) الاختلاف والصراع فقتل الشقيق شقيقه، فقدت الصلح مع العطور التي كنت أحبها، أصبحت بذاكرة حافية لا تذكر إلا أن الوطن المجروح هو العطر كله، وأن النيل العظيم على كبره لا يكفي لغسل جراحها الغائرة. • سيكون جميلاً لو أننا ملكنا (كل عام) القدرة على الحب، والتسامح، والوفاء، والصدق، والاعتذار. • من يملك القدرة على تنكيس رايات حزنك، ونقلك من سديم العناء إلى الهواء صديق حقيقي.. حقيقي. • كل عام وقلوبنا تسلم قبل أيدينا كل عام وعيوننا تحمل هم جموع ليست في مآقينا • أبرز وصايا العام المسافر: ممنوع الوقوف مع اليأس مهما كان البأس.