16 نوفمبر 2025

تسجيل

قبل أن تنطق بالكلمة

30 نوفمبر 2015

بالأمس لمن لم يتابع الجزء الأول من هذا الحديث، قلنا بأهمية إدارة وضبط كل ما يخرج عن اللسان، فالكلمة أنت مالكها والمسيطر عليها، إن لم تخرج من الفم ولم يترجمها اللسان بعدُ إلى ذات معنى، ولكن فور خروجها، تكون قد خرجت عن سيطرتك، وكل ما يمكنك فعله هو انتظار نتائج وتبعات كلماتك التي خرجت، قلّت أو كثُرت. من هنا نلاحظ حرص السلف على قلة الكلام والميل نحو الصمت ما لم تستدعِ الحاجة إلى النطق أو الإكثار من الكلام لسبب وآخر.. ها هو عمر الفاروق يقول: "من كثُر كلامه كثر لغطه، ومن كثر لغطه كثر غلطه، ومن كثر غلطه قل ورعه، ومن قل ورعه قل دينه".. وهل هناك مصيبة تحل بالمرء أعظم من قلة الدين؟.لاحظ أن الصمت ينجي في كثير من الأحوال، إلا حالات نادرة يكون الصمت نوعاً من إخفاء الحق، حيث ذهب بعض السلف إلى أن السكوت في وقته صفة الرجال، والنطق في موضعه من أشرف الخصال.. أي أن المسألة تقديرية ترجع إلى أن الإنسان نفسه يقرر، متى يصمت ومتى ينطق.في عالم اليوم، بدأت الأمور تتعقد أكثر فأكثر، حتى صار الصمت مطلباً ليس لأجل بلوغ الحكمة، ولكن لأجل تجنب التبعات والمشكلات القانونية التي تنجم عما يخرج من اللسان.. ألم يلفت انتباهك كيف أن كثيراً من الساسة يحرصون على انتقاء المصطلحات والكلمات خشية التأويلات والتفسيرات غير المرغوبة؟.ألا تلاحظ مثلاً أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، يكون جل كلامه أو تصريحاته في أي قضية أو أزمة ومشكلة، عبارة عن تعبير عن قلق يساوره، داعياً الأطراف إلى التفاهم وغيرها من كلمات سلمية دقيقة لا تجد منفذاً لتأويلات أو كثير تبعات؟.بالمثل لاحظ بيانات البيت الأبيض مثلاً أو بعض رؤساء الغرب، تجد كلماتهم منسقة حتى ليخيل إليك أنها كُتبت في وجود مستشارين قانونيين وأهل اللغة والبيان والسياسة والإستراتيجية، بحيث تُعطى كل كلمة قوتها ومعناها وبالتالي الجملة الكاملة لا يمكن فهمها إلا بطريقة أو طرق محددة هم يريدونها أن تُفهم هكذا، وما ذلك إلا بسبب وعي تام بأهمية الكلمة، وتأثيرها البالغ في عالم السياسة والمصالح.وبالغد سنورد أمثلة أخرى كثيرة حول هذا الموضوع، بإذن الله.