16 نوفمبر 2025

تسجيل

البَرْشَـا: بين سياسةٍ محليةٍ ورياضةٍ عالـميةٍ

30 سبتمبر 2015

لم يقتصرْ تأثيرُ نادي برشلونة على كرةِ القدمِ عالـمياً، وإنما امتدَّ إلى جوانبَ أخرى جعلتْ منه كياناً دولياً في نفوسِ عشاقِ الكرةِ، حتى أنَّ أغنيةً شبابيةً خفيفةً مرحةً انتشرتْ منذ شهور في عالَـمِنا العربيِّ تتحدثُ عن حبِّ النادي لأنَّ الـمحبوبَ من مُشجعيهِ ومُحِـبِّـيهِ ، في دلالةٍ على صَيرورَتِـهِ جزءاً، و لو صغيراً، من البناءِ النفسيِّ لشريحةٍ كبيرةٍ من شبابِنا. ومن هذا الـمنطلقِ، نفهمُ الاهتمامَ الشعبيَّ الكبيرَ بقضيةِ كتالونيا وانفصالِها الذي سيُخْـرِجُ النادي من الدوري الإسبانيِّ وغيابِ الوَهَجِ العالَـمِيِّ الذي جعلَ منه دورياً لكلِّ شعوبِ الأرضِ الـمَسحورةِ بالأداءِ الفنيِّ الخارقِ، واللياقةِ البدنيةِ في أعلى مستوياتِها، والإعدادِ النفسيِّ والفنيِّ الرَّفيعِ. عندنا، نحنُ العربَ، تظلُّ برشلونة جزءاً من أمجادِنا الأندلسيةِ الغابرةِ، ويشعرُ كثيرون منَّا في عَقلِـهِم الباطنِ أنَّها عربيةٌ حتى لو تحدثتْ لغةً غير العربيةِ، وهذا شعورٌ يشيرُ إلى قوةِ حضورِ التاريخِ في نفوسِـنا. وتقعُ الـمدينة في إقليمِ كتالونيا، أو قَطالونيا كما سَـمَّاهُ العربُ، في شماليِّ شرقيِّ إسبانيا، وتسكنُـهُ القوميةُ الكتالونيةُ التي يطالبُ أبناؤها منذ زمنٍ بعيدٍ بالانفصالِ عن إسبانيا وتكوينِ دولةٍ مستقلةٍ. ويبدو أنَّ وصولَ الأحزابِ الانفصاليةِ للبرلـمانِ الكتالونيِّ بعثَ الآمالَ في إمكانِ تحقيقِ حُلمِهِم. وبالطبعِ، فإنَّ ذلك لم يكن سيحظى بهذا الاهتمامِ العالـميِّ لولا نادي برشلونة. فقد كان استفتاءٌ منذُ شهورٍ على انفصالِ سكوتلندا عن بريطانيا، وقبله بسنواتٍ أُجريَ استفتاءٌ انفصلَ بموجبِـهِ جنوبُ السودانِ، ونسمعُ عن مطالباتٍ في أماكنَ عدَّةٍ بالانفصالِ، إلا أنَّ متابعةَ الـمُهتمينَ بكلِّ تلك الأحداثِ تظلُّ في إطارِ القراءةِ السياسيةِ، أما انفصالُ كتالونيا فإنَّه شَكَّلَ تهديداً لكرةِ القدمِ العالـميةِ. من السابقِ لأوانِـهِ، الحديثُ عن انفصالٍ كتالونيٍّ سيؤدي لاستبعادِ برشلونةَ من الدوري الإسبانيِّ، وحتى لو حدث ذلك فَمِـنَ الـمُجْحِـفِ أنْ نقرأهُ كما نقرأ أحداثَ الانفصالِ الدمويِّ في أوكرانيا، أو نراه بنفسِ العينِ التي نرى بها الـمحاولاتِ الانفصاليةِ الكرديةِ في شماليِّ سورية، ففرقٌ كبيرٌ بين دولٍ تعتمدُ الآلياتِ الديمقراطيةَ وتستندُ إلى القوانينِ كدولِ الاتحادِ الأوروبيِّ، و دولٍ ديكتاتوريةٍ قتلتْ أنظمتُها شعوبَها واستغلَّ الانفصاليون ذلك لتحقيقِ أحلامِهم على بحورٍ من الدماءِ. ولا نشكُّ للحظةٍ في أنَّ الـمباحثاتِ داخل الاتحادِ الأوروبيِّ ستجدُ سبيلاً قانونياً يحولُ دون خسارةِ كرةِ القدمِ العالـميةِ والإسبانيةِ للتواجدِ البرشلونيِّ. علينا متابعةُ الحدثِ الكتالونيِّ رياضياً لا سياسياً واقتصادياً، وأنْ نُعَـبِّـرَ، إعلامياً، للحكومةِ الإسبانيةِ عن رغباتِنا، كجمهورٍ رياضيٍّ عالـميٍّ، في استمرارِ دوري بلادِها قوياً بوجودِ برشلونة حتى لو أُقِـرَّ الانفصالُ، لأنَّ الإعلامَ أهمُّ عنصرٍ مؤثِّرٍ في الدولِ الديمقراطيةِ. كلمةٌ أخيرةٌ:كم هو مؤلِـمٌ تَشَتُّتُ عالـمِنا العربيِّ لدرجةِ أنَّه لا يوجدُ فريقٌ عربيٌّ واحدٌ له امتدادٌ جماهيريٌّ خارج بلادِهِ.. أتُرانا نعيشُ حتى نشهدَ بروزَ برشلونةٍ عربيٍّ نفخرُ به جميعاً؟.