07 نوفمبر 2025
تسجيلناقشَ مجلسُ الشورى الموقر في جلسته صباح الإثنين 14/5/2018، مقترحاً برغبة مقدَّماً من سعادة السيد أحمد بن عبدالله بن زيد آل محمود رئيس المجلس، حول أوضاع الموظفين المتقاعدين، بالإضافة إلى مدى استيعاب الراغبين منهم في العودة للعمل في أجهزة الدولة، للاستفادة من خبراتهم ومؤهلاتهم في خدمة الوطن. ولقد رحبّ أعضاء المجلس الموقر بالمقترح، لما يُمكن أن يترتب على تنفيذه من تأثيرات اجتماعية إيجابية ومن فوائد عديدة في بيئة العمل بأجهزة الدولة. ولقد أشار بعضُ أعضاء مجلس الشورى إلى أن العديد من الكفاءات التي ما زالت في قمة العطاء، والتي تمت إحالتها إلى التقاعد لأسبابٍ تتعلق بتغيّرات في الوزارات وغيرها من المبررات. ويرون أن بعضها كانت تعسفية. كما يرى هؤلاء أن بعض هذه الكفاءات ما زالت في قمة العطاء، لذلك لابد من دراسة هذه القضية بعمق، وبحث كافة الجوانب التي تتعلق بالمتقاعد.( الشرق، 15/5/2018). بدايةً، نشكر سعادةَ رئيس مجلس الشورى على مبادرته الطيبة، ونشكرُ أعضاءَ مجلس الشورى على ثنائهم على طرح هذا المقترح، لأن هنالك شريحةً ليست بالبسيطة من الموظفين القطريين المؤهلين، والذين صرفت على تعليمهم الدولةُ الملايين، وقد اكتسبوا خبراتٍ طويلة — ما يؤهلهم ليكونوا مستشارين لصفِّ الشباب الذين هُم لهم الحق في تقلّد الوظائف، وفي كافة التخصصات — قد أودِعوا التقاعد بلا سند قانوني، ولا تُهَمٍ تتعلق بالأمانة والشرف، ولا بالتهاون في أداء مهام وظائفهم، الأمر الذي يحتاج إلى سعة الصدر، لمناقشة هذه القضية. وكما أشار بعضُ أعضاء مجلس الشورى — في التقرير السابق —الى أن التغيّر في هياكل الوزارات، أو تغيّر المديرين أو الوكلاء أو الوزراء، كانت من الأسباب التي أدّت إلى إحالة العديد من الموظفين القطريين إلى التقاعد، وبدون أسباب أو سند قانوني. وعلى العكس من ذلك، توجد حالات لموظفين تم تسريحُهم من العمل لكنهم ما زالوا يحتفظون بكامل رواتبهم ومخصصاتهم وكأنهم على رأس عملهم، وبعد أن تمت ترقيتهم — قبل ذلك — إلى الدرجة الأعلى!؟ كما أن بعض من أُحيلوا إلى التقاعد عُرفوا بالأمانة، وكانت تقاريرُهم ممتازة، ويتمتعون بثقة وزرائهم أو وكلائهم السابقين! إلّا أنهم فوجئوا بإحالتهم إلى التقاعد، وبشكل مُهين، تمثّلَ في خطاب عبر ساعي البريد، دون أن يتجرأ المسؤول، لمقابلتهم، وشُكرِهم على ما قدّموه لبلدهم، بل ودون إعطائهم فرصة للدفاع عن أنفسهم، حيث طُلبَ من بعضهم مغادرة المكتب يوم استلام خطاب الإحالة إلى البند المركزي، وأعتقد أن هؤلاء يحتاجون إلى اعتذار مِمن قام بفصلهم مثل هذا الفصل التعسفي، الذي خالفَ قانونَ الخدمة المدنية، وخالف أعراف قيادة الشعب القطري، والتي دوماً مع إنصاف المواطن وعزّته وكرامته. كما أن بعضَ مَن أُحيلوا إلى التقاعد يمتلكون مواهبَ وقدراتٍ، لا تتأتى في يوم وليلة، وهم يشكّلون مرجعيةً خبراتية وثقافية تحتاجها المؤسسات، مهما تغيّر الوزير أو الوكيل، أو حتى المدير. وهذا يضّر بمستوى الأداء ويُخفّض الإنتاجية، خصوصاً مع الإتيان بموظفين أو رؤساء أقسام لا يمتلكون خبرة، وللتوِّ تخرّجوا من الجامعة. بل وُجدت حالات — تم التيَّقن منها — في بعض المجالات المتخصصة جداً، تراجَعَ فيها الأداءُ بصورة واضحة، خصوصاً ما تعلّق بالخبرات التراكمية والتمكّن من التخصص، حيث يُدير هذه الأمور بعضُ الموظفين الذين لا خبرة لهم في هذا المجال، ويتجلى ذلك بوضوح في المجال الثقافي، حيث تم ظهور إنتاج ثقافي " مشوّه" نتيجة قلة الخبرة، والاعتماد على موظفين استطاعوا " خطفَ" بعض الإنتاج الثقافي و"غرّبوه" عما يجب أن يكون عليه!، ونستطيع إثبات ذلك عن طريق (تحليل المضمون)!. كما أن هنالك وظائفُ تعتمد على سِنِّ الموظف، خصوصاً في الوظائف ذات الصفة التراكمية، إذ كلما زاد عُمر الموظف، زادت خبرته وبالتالي أصبح أكثرَ إنتاجية! على الرغم من أن بعض من حَزّ سيفُ التقاعد رقابَهم، لم يتجاوزوا الخمسين أو الثالثة والخمسين من العمر! وهذا بحدّ ذاته مخالفة لقانون الخدمة المدنية، وتوجد حالات لموظفين وافدين اقتربوا من الثمانين وما زالوا على رأس عملهم!؟ تصوّروا معي، إحالة موظف إلى التقاعد، وهو مسؤول عن 12 إنسانا في منزله، ويهوي راتبهُ إلى الثُلث!؟ كيف يتصرف هذا الموظف، وهو قضى خمسة وعشرين أو ثلاثين عاماً في خدمة الوطن، ولم يتفرغ كي يبنى بُرجاً أو بناية، أو حتى يفتح محلَ خياطة، يدعم به دخلهُ الشهري!!؟ كيف سيواجه هذا الموظف الحياة، مع متطلبات 12 إنسانا؟ ناهيك عن الآثار النفسية التي سيُفرزها التقاعد، وأيضاً الآثار الصحية، إذ أصاب بعضَهم مرضُ (السُكريّ) و(الضغط)، فجأة، عندما تسلّموا خطاب الإحالة إلى التقاعد. والغريب في الأمر، أن غير القطريين يبقون في وظائفهم حتى لو تجاوزوا سنَّ التقاعد الذي ينصّ عليه قانون الخدمة الوطنية، وقد يظلون حتى وفاتهم وهم مُسجّلون على رأس عملهم!؟ كما حصل أنَّ بعضَ من أُنهيت خدماتُهم — في وزارات الدولة — بعد وصولهم سنَّ التقاعد، تغلغلوا في وزارات وهيئات أخرى وبرواتب وبدلاتٍ أكثر!؟ بل وإن بعضهم قد عمل — بالقطعة — في مقر عمله الذي أُنهيت خدماته فيه!؟ أليس من الإنصاف أن يُعامل الموظفُ القطري ذاتَ المعاملة!؟ وهذا سؤال نتركه لمداولات مجلس الشورى الموقر. إن قطر العز والخير، لا يُمكن أن تسمح لأيِّ مواطن أن يتألم أو يشكو العوز!؟ فنحن في خير وديرة العزِّ في خير. وإذا كان هنالك من تضرَّروا من إجراء تعسُّفي من شخص معين، فلا بد من بحثِ حالاتِهم وتعويضِهم عما لحقَ بهم من أضرار. ولا بد من أن تقوم لجنة متخصصة ببحث الحالات التي تضرَّرت جرّاء الإحالة إلى التقاعد دون مبررٍ ودون سندٍ قانوني، ولربما عبرَ مزاج مُنزلق أو موقفٍ شخصي لم يُدوّن في سجلات رسمية. هنالك مِمَن أُحيلوا إلى التقاعد، وهم فرحون بذلك، ولديهم مشاريعُ تجارية، وقبلوا الأمر عن طيب خاطر، ونحن لا نتحدث عن هذه الفئة، بل حديثنا هنا عن الفئة التي: أولاً: لم تكن إحالتها إلى التقاعد قانونية، وثانياً: انها في قمة عطائها واتزانها العقلي والفيزيائي، وثالثاً: أنها تمتلك خبرات ومؤهلات ما يجعلها مُنتجة ومُساعِدة للشباب في الاستشارة والتوجيه. إن إهدارَ الطاقات الخلاّقة والموهوبة بإحالتها إلى التقاعد لا يُمكن أن يخدم البلاد ولا المجتمع، بل يصبحُ هذا المُحالُ إلى التقاعد " عالةً " على أهله، وقد تساورهُ عدةُ هموم تتحولُ إلى أمراض عضوية هو في غنى عنها. كما أن السأم والمللَ الذي ينتجُ عن تلك الإحالة، يجعل الإنسان كارهاً لنفسه وواقعه، غير متفاعل مع هموم مجتمعه وأسرته، وهذا ما نسمية (الاغتراب)! نحن نأمل أن تُشكل لجنةٌ متخصصة تدرسُ أحوالَ المُحالين إلى التقاعد دون رغبتِهم، وأن تضع هذه اللجنة الحلولَ المناسبة لهؤلاء؛ بعد أن تدرسَ حالاتهم! فأنا أتعجَّب كيف يُمكن أن يُحال دكتور جامعي قطري إلى التقاعد إن لم تكن به علّة أو مرض؟ أو إن لم يكن مخالفاً لقوانين الجامعة أو الكلية؟ أو أن يُحال موظف مشهود له بالكفاءة والموهبة والإنتاجية وهو في وظيفة تحتاج إلى تراكم الخبرات، التي قد يحصل عليها الموظف الجديد بعد خمسة وعشرين عاماً؟! لماذا لا يكون الأولُ مستشاراً في هذه الوزارة؟ مرة أخرى نشكر مجلس الشورى على مبادرته الخيّرة، لأن المتقاعدين يحتاجون إلى تلك المساندة، ولأنهم صامتون، كان لابد لجهة من أن تتحدثَ باسمِهم، ونقل معاناتهم إلى المسؤولين.