15 نوفمبر 2025

تسجيل

الأحكام المسبقة في علاقاتنا الإنسانية

30 أبريل 2020

لا يوجد إنسان بلا أخطاء. أي أحد منا عرضة للوقوع في خطأ أو جملة أخطاء، وليس في ذلك شيء باعتبار أن الإنسان خطّاء، وخير الخطائين التوابون. إذ لا شيء في أن تخطئ لكن أن يتكرر منك الخطأ مرات ومرات دون الاعتبار من السابق أو التجارب الماضية، ففي هذا أشياء وأشياء. لكن ليس هذا هو موضوع اليوم، وإن كان له صلة به. حديث اليوم يدور حول سلوك ربما مارسه أو ما زال يمارسه أغلبنا في علاقاتنا الإنسانية. هذا السلوك هو ما يمكن تسميته بالحكم على الغير وفق أحكام غيرنا، أو التعامل مع شخص وفق أحكام سابقة عنه، بغض النظر عن ماهية وطبيعة تلك الأحكام، إيجابية كانت أم سلبية، باعتبار أن الإنسان كتلة متحركة ومتغيرة في الوقت نفسه. لا يبقى على حالة واحدة زمناً طويلاً، ولأن هذا أيضاً من طبيعة هذه الحياة الدنيا. كل شيء متغير فيها ولا معنى للخلود فيها لأي شيء، مادي أو معنوي. لندخل إلى صلب الموضوع حتى لا نتعمق كثيراً في معان فلسفية وحتى لا يضيع منا خيط الموضوع. إن من الظلم الذي يرتكبه أحدنا تجاه الآخر، هو التعامل معه وفق أحكام مسبقة وصلتك عنه من آخرين تعاملوا معه في مواقف ووقائع. نعم، قد تعتبر تلك الأحكام التي جاءتك من آخرين عنه بمثابة نصائح مجربين، ولا شيء في أن يستعين أحدنا بالغير في مثل هذه المواقف ويستشير ويسأل، ولكن ليس بقصد بناء حكم أو موقف والتصرف وفق ذلك. لا، هذا هو الظلم الذي أعنيه. أنت حين تطلب معلومات من الغير عن إنسان ما قادته الظروف إلى التعامل معك، على شكل موظف مثلاً سيعمل معك أو تحت إمرتك، أو زميل مهمة معينة أو ما شابه، فإن طلبك للمعلومات لابد أن يكون نوعاً من الإعانة على مواقف وسلوكيات عملية أنت ستقوم بها بنفسك معه، وستعينك تلك المعلومات على تأكيد صحتها وتعزيزها أو تغييرها وبناء صورة أخرى للشخص، ولكن وفق حساباتك أنت وطريقة تفكيرك أنت وأسلوب حياتك أنت وحدك فقط في التعامل مع الغرباء. لا تجعل أحداً يفكر نيابة عنك في الآخرين، ولا تستسهل أمور الأحكام على الغير وتقبل بالجاهزة منها دون تمحيص وتدقيق منك. لتكن لك مقاييسك ومعاييرك الخاصة في بناء أو رسم صورة ذهنية عندك للغير. جاء رجل إلى الفاروق عمر رضي الله عنه ، ومعه شاهد. قال: ائت بمن يعرفك ، فجاء برجل. قال له عمر: هل تزكيه بناء على ما عرفت عنه؟ قال : نعم فقال عمر: وكيف عرفته؟ • هل جاورته المجاورة التي تعرف بها مدخله، ومخرجه؟ قال: لا. • هل عاملته بالدينار والدرهم الذي بهما تعرف بهما أمانة الرجال؟ قال: لا. - هل سافرت معه السفر الذي يكشف عن أخلاق الرجال؟ قال: لا. قال: فلعلك رأيته في المسجد راكعًا وساجدًا فجئتَ تزكيه، قال: نعم يا أمير المؤمنين. فقال عمر رضي الله عنه: اذهب، فأنت لا تعرفه ، ويا رجل ائتني برجل يعرفك فهذا لا يعرفك . إذن هو نوع من الخطايا والمعايب في علاقات البشر بين بعضهم البعض، أن يقوم أحدهم بالحكم على الغير وفق مناظير الآخرين. وهو نوع من التهاون البيّن وعدم احترام للآخر. فما تراه مثلاً قد لا يكون بالضرورة هو نفس ما يراه غيرك بنفس الزوايا والألوان. وبالمثل ما تراه في أمر ما أنه شنيع، قد لا يكون كذلك أو لا يتفق معك غيرك، وهكذا. قيام بعضنا بالحكم على الغير وفق منظور آخرين، هو بوضوح أن نرى بعيون غيرنا ونسمع بآذانهم وبالتالي الوقوع في إثم الحكم على الغير بناء على معطيات غيرنا، أي استخدم معلومات جاهزة من لدن الغير دون بذل الجهد في البحث والاستقصاء وغيرها من طرق جمع المعلومات.. وهناك الكثير من النماذج في الحياة لا يمكننا سردها ها هنا، نتسرع خلالها في الحكم على الشيء قبل أن نتفهم الأمر من كافة جوانبه، وتبعاً لذلك تحدث من المشكلات وسوء الفهم الكثير الكثير. هذا الأمر يتسع نطاقه أيضاً ليشمل الشعوب والدول، فلا يمكنك أن تحكم على دول أو أمم، وثقافاتهم وعلومهم وأخلاقياتهم، دون أن تكون على إلمام بها بشكل من الأشكال، فإن فعلت، تكون ارتكبت ذات الخطأ المشار إليه قبل قليل.. ومن هنا حاول مثلاً أن تتجنب الحكم على شعب ما في أخلاقياته وأفعاله أو سلوكياته، قبل أن تعاشره وتخالطه بنفسك وتتعرف على تفاصيل حياته ويومياته وظروفه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وغيرها، وحاول أن تدفع اغراءات الأحكام الجاهزة أو المعلبة من الغير، دون كثير عناء أو جهد منك، تأخذ بها لتحكم على العباد.. هذا فيه ظلم كبير قد لا تشعر به، إلا إن كنت أنت الضحية أو من يأخذ الغير أحكامهم تجاهك بناء على أحكام مسبقة من الآخرين.. هل ترضاه لنفسك ؟ سؤال جدير بالتفكر والتأمل في مثل هذه الأوقات الطيبة في شهر طيب مبارك مثل رمضان.