14 نوفمبر 2025
تسجيلفزع كثير من الناس من أحكام الإعدام بالجملة التي صدرت مؤخرا على المعارضين لانقلاب الثالث من يوليو. غير أن هذه الأحكام على مأساويتها ليست أغرب ما يشهده المجتمع المصري. فعلى التوازي من هذه الدراما السياسية فإن هناك أحكاما بالقتل تنفذ فعليا من دون أي محاكمات، أحكاما يروح ضحيتها العشرات، ولا يعلم الناس بخصوصهم شيئا سوى من خلال إعلانات المتحدث العسكري المقتضبة، التي تتحدث عن "نجاح" القوات المسلحة في تصفية أعداد من المطلوبين. ورغم غرابة هذه الأخبار إلا أن تذييلها بعبارات تصف المستهدفين بالإرهابيين، أو التكفيريين، أو المتعاونين مع جماعة الإخوان المحظورة، يفعل فعله بالرأي العام المخدر أصلاً، ويزيح من على عاتق "الناطق الرسمي" عبء الحديث عن الكيفية القانونية التي اتبعها من أجل وصف القتلى بهذه الأوصاف من دون محاكمة أو تحقيق قضائي."المرصد المصري للحقوق والحريات" نشر الأسبوع الفائت تقريرا عن ضحايا عمليات العدالة الفورية هذه، واستعرض عددا من النقاط التي تستحق إلقاء مزيد من الضوء عليها. النقطة الأساسية التي يدور حولها التقرير تتعلق بكون العمليات التي تقوم بها القوات المسلحة في سيناء ليس لها أي إطار قانوني، وذلك رغم أن الطرف الذي ينفذها جهاز من أجهزة الدولة، ومن المفترض أن يلتزم بالعمل وفقا لأطرها القانونية. وعلى حد التقرير فإنه رغم شح المصادر وقلة المعلومات، وكون المصدر الوحيد للمعلومات الواردة في التقرير— وهو بيانات المتحدث العسكري— لا يمثل سوى وجهة نظر واحدة فقط بشأن الصراع الجاري هناك، إلا أن هذا المصدر نفسه لا يتحرج من ذكر ما يقوم به من عمليات قتل خارج القانون، بل ويسرد ذلك في إطار التباهي، كما لو كان يخوض حربا حقيقة ضد جيش نظامي معاد، وليس ضد مواطنين يفترض أن يحصلوا عل محاكمات عادلة مهما كان حجم الجرم الذي اقترفوه. وقد توقف التقرير عند حقيقة أن بيانات المتحدث العسكري قد تحولت في ذاتها إلى أحكام قضائية نهائية، وأنها عادة ما لا تقوم بإظهار أسماء أو بيانات الأشخاص الذين يتم قتلهم أو اعتقالهم، وإنما تتعامل معهم فقط كأرقام مبهمة، مما يعطي انطباعا واضحا حول "المعايير القانونية" التي يستخدمها القائمون بهذه العمليات.كما تعرض التقرير لفكرة الحرب على الإرهاب، والتي تستخدم كذريعة لتبرير الخروقات القانونية والإنسانية، وأشار إلى أن ما يحدث في سيناء لا يبدو محاولة للقضاء على الإرهاب بقدر ما يبدو عقابا جماعيا لسكان سيناء الذين يتكبدون خسائر فادحة في الأموال والأرواح. "الأمر الذي يمكن معه القطع بأن ما يسمى بالحملة ضد الإرهاب تأتي دائما بنتائج عكسية".ورغم أن بيانات المتحدث العسكري تقلل من شأن حالات القتل التي تقع بين المدنيين (من غير المطلوبين) جراء عمليات الجيش، إلا أن المعلومات التي جمعها كاتبو التقرير حول هذه الانتهاكات تفيد أن عددها منذ بداية العمليات قد تجاوز الـ 200 حالة كلهم لمدنيين."هؤلاء الضحايا عادة ما يسقطون خلال عمليات إطلاق نار بشكل عشوائي على المواطنين، فيما يسمى إطلاق نار تحذيري، مما يتسبب فى إصابة أو قتل مواطنين مدنيين، وذلك من دون تقديم مرتكبي تلك الحوادث للتحقيق، وعدم اكتراث الأجهزة الأمنية أو العسكرية، ما يتسبب فى إهدار دماء وحقوق هؤلاء المواطنين".ملاحظة أخرى توقف عندها التقرير وهي أن كل عمليات القتل التي تحدث في سيناء ويتم الإعلان عنها عبر المتحدث العسكري تتحدث عن كون الإرهابيين والتكفيريين الذين يتم تصفيتهم تابعون لجماعة الإخوان المسلمين، من دون إقامة أي دليل على هذه العلاقة المفترضة. في الوقت الذي أكد فيه العديد من الشهود الذين تمكن كاتبو التقرير من الوصول إليهم كذب هذه الادعاءات. فالأهالي في سيناء بحكم الطبيعة القبلية والروابط العائلية يعرفون بعضهم البعض، ويستطيعون الإفادة بشان انتماء أو عدم انتماء ضحاياهم للجماعة، وهم في هذا الصدد يؤكدون أن ما يجرى في الواقع لا يستهدف المنتمين لجماعة الإخوان، بقدر ما يكون فى كثير من الأحيان مجرد قصف عشوائي لا يفرق بين منتمي للجماعة من غيره. ويبقى القول أن الانتماء لجماعة الإخوان لا يبرر الاستهداف بطائرات أباتشي أو تنفيذ القتل بدم بارد خارج القانون.وبخلاف عمليات القتل خارج إطار القانون، تعرض التقرير لأشكال أخرى من الانتهاكات مثل تهجير السكان من القرى وهدم المنازل واقتلاع محاصيل بعض الأهالي واقتحام البيوت من دون استئذان وإهانة أصحابها أو تفجيرها بحجة أنها تأوي إرهابيين.وهكذا أصبح القتل في مصر يمارس تارة بالقانون عبر أحكام قتل جماعية وتارة أخرى عبر عمليات مسلحة ليس لها سند من القانون، ورغم كل ذلك مازال البعض يتحدث عن أن ما جرى في الثالث من يوليو كان ثورة شعبية حقيقية، ولم يكن انقلابا على الشرعية وحكم القانون "العادل".