06 نوفمبر 2025
تسجيلحاضر الشاعر والناقد البحريني حسين السماهيجي صورة البوعزيزي في الشعر العربي في السنتين الأخيرتين، حيث أشعل البوعزيزي باشتعاله جذوة الثورة التونسية فالعربية، وشهدت الحياة العربية الغارقة في جمودها هزة نوعية تبعثرت فيها مفاهيم كثيرة، وحضر الدم سخياً وغزيراً في معظم البلدان العربية خصوصا في سوريا وليبيا، واستأثر الربيع العربي بإعلام الأرض معظم أيام السنتين الفائتتين. يذهب الصديق السماهيجي إلى أن صورة البوعزيزي كانت حاضرة كأيقونة في نصوص شعرية عربية من مختلف الأقطار في احتفالية شعرية قل نظيرها، وأن هذه الأيقونة رسمت بطرائق مختلفة لدى الشعراء الذين اصطفاهم لدراسته: "كريم رضي – سامي نصر - المنصف الوهايبي". منها ما اتكأ على الحدث، ومنها ما بني عليه، مشيراً إلى لبس في رؤية الشعراء للبوعزيزي النائس بين تجلي العادي ووهج الأسطوري. ورغم أنه من المبكر معالجة شخصية اعتبارية في مشهدية الربيع العربي كالبوعزيزي فإنه من المبكر الحكم على التجربة الشعرية في قراءة البوعزيزي والربيع العربي عموماً، فالنصوص التي كتبت حتى الآن مرتجلة، احتفائية، غنائية، سجلت مشاركتها في الربيع العربي، بغض النظر عن مسعاها الفني إلى شعرية جديدة مفترضة، كما حدث قبل عشرة أعوام من حادثة البوعزيزي حين قضى الطفل الفلسطيني محمد الدرة في مشهد قطفته عدسة مصور وكالة الأنباء الفرنسية، وانتقلت إلى الشعر فرسمه في احتفائية نادبة مستصرخة، شاركت مع حراك الشارع العربي الثائر، لكنه سرعان ما رمى هذه الأيقونة جانباً، في خضم تسارع الأحداث التي خرجت عن سكتها السابقة شرقاً في بضع سنين كانت فيها عاصمتان من عواصم الشرق تنوءان ترزحان تحت نير الاحتلال الأمريكي. لقد كان البحث عن بطل هاجس قصيدة الستينيات، فاستحضر شعراؤها صور شخصيات من التاريخ العربي نسجتها في ثياب أساطير شعرية، بل بحثت في أساطير غربية عن شخصيات ترسم أيقونتها بألوان عربية، حيث كان الهاجس الفني والفكري لتلك المرحلة صناعة مثال إيجابي مؤثر في إطار تثقيفي يتناسب وإيديولوجيا اليسار العربي، الذي بات يذوى رويداً بعد هزيمة 1967 ملهماً شعراءه نصوصاً غنائية عذبة، سرعان ما فاجأها المشهد السبعيني الذي أعلن قطيعته مع التاريخ وبحث في أسئلة الشارع عن إحداثيات قصيدته. وأمام تزاحم الأشكال الشعرية، وذهاب الجمهور إلى أجناس أدبية أخرى كالرواية أو فنية كالسينما أو قصيدة النبط في الخليج العربي؛ فإن القصيدة العربية وجدت في تحررها من (الغاوي) فرصة للتجريب، ورغم المنشطات التي حقنتها المسابقات المختلفة في وريد الشعر العربي إلا أن ظروف الحياة جعلت أسراب الشعراء يغادرون الصفحات الثقافية ومنابر الأدب التي باتت موسمية، وبدلاً من أن يكون الشعر مطبخ القيم كما يرى عبدالله الغذامي في نظرته إلى الثقافة العربية القديمة، فإن مطبخ القيم تغير إلى بيت جديد، وبات الناس والشعراء أسرى شلال الصور المتدفق عبر الفضائيات التي تقود الشعوب وتنمذج أنماطاً مختلفة لأمثلة عابرة.