12 نوفمبر 2025

تسجيل

العصر الذهبي للشعر العربي

29 سبتمبر 2013

الشعر العربي ذلك السحر الآسر الذي أبحر بنا طويلا عبر عوالم بعيدة تحلق بها الروح، فليس الشعر قصيدة فحسب، بل إنه قيمة ووراء الشعر تكمن فردية الشاعر وحريته بقدر ما يكمن جمال الكون وأحلامه وفضاءات جماله وروعته وتوهجه واحتراقه دونما انطفاء. ويقال إن الشعر هو سجل الأمة في الماضي ووثيقة أحداثه ورواياته، به حفظت الوقائع والأحداث ومن خلاله استطاع المؤرخون تكوين صورة عن تاريخ الأمة العربية وبه اشتهرت أسماء أماكن وشخصيات وبه أيضاً استعانوا في تتبع أنساب العرب ومعرفتها هكذا كان الشعر في عصره الذهبي يحمل بين طياته رواية الحياة بمختلف الأوجه وأبعادها، فلم يخلُ الشعر قديما من الفخر أو الشجاعة أو المدح أو موقف من المواقف ولم يخلُ الشعر من ذكر أماكن مشهورة وشخصيات وضعت بصمتها وكان لها دورها في إدارة الأحداث، هكذا كان الشعر هو النشرة اليومية لحياة العرب ومنذ فجر الإسلام لعب الشعر دورا كبيرا في وصف الفتوحات وإدارة الأحداث، إذ خرج للناس شعراء أمثال حسان بن ثابت الذي كان يدافع بشعره عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وعلى هذه المكانة سار الشعر حتى وصل الشعراء لقصور الخلفاء والأمراء ليرتفع شأن القصيدة العربية في بلاطهم وتنتشر جماليات اللغة وأسرارها عبرهم، هذا هو ما نسميه بالعصر الذهبي للشعر العربي ومع مرور الزمان ودخول العالم إلى العصر الحديدي، حيث غلبة المادة وتطور التكنولوجيا والتقنيات في عصر السرعة، تراجع كثيرا ذلك الزخم الشعري الذي كان يحرك المشاعر ليكتبها الشاعر فيأسر بكلماته قلوب القراء، هكذا تراجع الشعر عن الساحة ليتراجع معه الإحساس الشفاف والمشاعر الصادقة التي كانت تصل مباشرة لقلب القارئ، أما الآن فقد أصبح الشعر مجرد إيماءات وإسقاطات وألغاز وطلاسم مطلوب منا أن نبحث في مصادر أخرى من أجل فهمها وتفسيرها والغريب في الأمر أنه رغم هذا التراجع إلا أن دور الشعر مازال مهما، وخاصة بعد ظهور شعر التفعيلة والشعر الحر والمدارس الأخرى في الشعر العربي ورغم ذلك فلم يستغل المثقفون والشعراء هذا التطور الذي طرأ على الشعر الحديث، وكثيرون من شعراء العصر الحديث كانوا امتدادا جميلا لشعراء ذلك العصر الذهبي، إلا أن كل شاعر ترجل لم يجد من يخلفه ويسير على نهجه وخطاه وبذلك انطفأ ألق الشعر شيئا فشيئا رغم حضور كل الإمكانات وكل ما باستطاعته إثارة قريحة الشاعر بكل ما هو جميل وعميق، نظرة واحدة على ما تبقى من شعر ذلك العصر كافية بأن تعيدنا لأمجاد ذلك الزمن وجماليات المعنى في لغته، فمتى سنعود بالشعر لمكانته الذهبية ومتى ومتى سنشهد إبداعات جديدة ومواهب جديدة تثبت لنا أن الشعر مازال يتربع على القمة كما كان منذ فجر ميلاده.