06 نوفمبر 2025

تسجيل

كرسي وبريستيج!

29 أغسطس 2019

تختلف أشكال وأحجام وجودة وقيمة الكراسي التي تستقر خالية دون أحد خلف مكتب! كما تختلف وتتعدد وتتعاقب أحجام وأعمار وأشكال وأطوال ورؤوس وعقول وضمائر من يجلسون من بشر عليها. أشكال الكراسي وأنواعها وأحجامها كثيرة ومتنوعة، من أكبر وأهم وأجمل تلك الكراسي؛ كراسي الرئاسة والمنصب والمسؤولية والذي إن وصل لإنسان وتمكن منه وجلس عليه .. فإن المسؤوليات والواجبات المطلوب تأديتها تتسابق وتتلاحق لتنثر على طاولة الوظيفة والعمل المطلوب تأديته، فالجلوس خلف المكتب يتطلب المسؤولية الكاملة والضمير الحي اليقظ والعقل المتفتح والأذن المصغية والرأس الواعي بكل حواسه بما يحمله من فكر وعقل مدرك كل الإدراك لما يحدث ويدور حوله، فالرأس الذي يعلو الجسد أيضاً بحاجة إلى جزء من الكرسي كي يسند ذلك الرأس في حالة التعب والإرهاق من بعد الانكباب على توقيع الأوراق والقرارات والتقارير وحفظ الملفات. • هذه الكراسي مجرد الجلوس والوصول إليها يقدم لصاحبها امتيازات، علاوات، بدلات، دعوات وتسهيلات وكلمات وأوامر وطلبات مجابة وبريستيج. وفي المقابل والأهم ما هو مطلوب منه إنجازه وتحقيقه من مهام وظيفته من مسؤوليات وتأديتها بكل إخلاص حقيقي وضمير. للأسف البعض ممن يجلسون على كراسي المسؤولية لا يعون الدور والمسؤولية الحقيقية المطلوب تأديتها بالشكل الصحيح والمطلوب. بمجرد الوصول والجلوس يغيب الضمير ويضيع بين زحمة وكثرة الزيارات والمجاملات.. ويضيع الضمير وصوته بين حمحمات وقهقهات ونفاق وطبول الكثيرين الذين تبرز صورهم وابتساماتهم الصفراء ! هناك فئة من الناس بمجرد وصول مسؤول لكرسي المسؤولية فإنهم يسعون إلى صقل وتعديل عيوبهم البارزة وتجميل وجوههم وتلميع أسنانهم لتظهر ابتساماتهم الصفراء أكثر بياضا ونصاعة! التأنق والبهرجة في الوصول، كل ذلك كي تصل لخططها المرسومة مع وصول كل مسؤولٍ جديد! • الانتهازيون الاستغلاليون هم القادرون على الوصول وتحقيق مآربهم أيا كان ذلك الجالس على كرسي المسؤولية، فهم فئة قادرة على أن تصل تتسلق سلالم بشرية على أكتاف غيرها، على جهد وتعب الآخرين تصل لمبتغاها لربما لمنصب تطمع إليه .. وكرسي تأمل الجلوس يوما عليه. تحقق ما تطمح وتطمع إليه من منصب ومسمى وظيفي وسلطة.. ولكن في النهاية لم يكن أكثر من برواز فخم لصورة بشعة تحمل صورة هزلية كاريكاتورية مع غريب وشاذ لا ألوان فيها؟ • أمام ظهر الكرسي تغيب الأماني والوعود والنشاط والآمال العريضة التي يأمل بها الآخرون من وصول فلان لكرسي المسؤولية، تغيب وتضيع وتتلاشى مع كثرة المجاملات والضيوف والكلمات الرنانة، يغيب العقل والفكر وتقليب الأمور والحقائق والوصول للحقيقة المجردة البعيدة عن الأهواء، تغيب كلمة الإخلاص المطالبين بتأديتها بكل ما تحمله من معاني ومسؤولية الوظيفة. • البشر نادر جداً من يعترف بضعفه وعجزه وعيبه فالغالبية تريد الوصول دون محاولة إصلاح عيوبها، دون محاولة طلب الاستشارة من أهل الرأي والعقول والخبرة والاعتراف بحاجتها لاستشارةٍ ورأي.. فهناك من لا يصلح ويعرف بأعماقه بأنه لا يصلح ولا يملك القدرة على المواصلة في تأدية مهامه ولكنه لا يعترف ولا يوضح يخشى أن تضيع عليه كل الامتيازات! • مهم جدا وجود المخلصين حول من وصل لكرسي الرئاسة والمنصب لا خاب من استشار .. فالكثير يوضعون لمهام ومسؤوليات قد لا يدركون طبيعتها .. مهمٌ الاستشارة من أهل الخبرة والضمير .. مع إعطاء الرأي والسؤال الدائم .. والتمحيص والتفكير دون التسليم التام .. فبالعقل والضمير قد يجد الصواب والصالح العام .. ويدرك الخطأ .. والسعي لتقويمه وإصلاحه. مع وصول إنسان .. ومغادرة إنسان .. مع تغيير الحياة وغريب من يجلسون على الكراسي .. يكون لكل مسؤول .. الأثر والذكر الذي خلفه وراءه .. فمن كان مخلصاً وأميناً .. وإنساناً وأعطى كل ذي حقٍ حقه .. وإعمال الإيمان والعقل والضمير في مهامه ومسؤولياته المناطة به دون ظلمٍ كان أثره باقياً .. وعمله متحركاً في غيابه. • آخر جرة قلم : قرارات، تعاميم تتسابق و تتلاحق على مدار السنة، تطبع و توقع، تصدر وترسل وتنشر بالصحافة! آخرون يتابعون ينتظرون ويترقبون، منهم من يخشى على كرسيه من أن يؤخذ ومنهم من يأمل بكرسي ومسؤولية ومهام والوصول لأعلى المستويات ومنهم من يبدأ بالتخطيط من جديد للوصول. مجاملات نفاق وجوه صفراء تتسابق للوصول وتحقيق ما نبتغيه من غايات وأهداف ومرام نبتغيها وتخطط للوصول إليها مع وصول فلان من الناس لكرسي المسؤولية! ويبقى أن العقل الإنساني السوي ذلك الذي يتلقى كل تلك التناقضات والصور ويدرك بعقله وفكره وضميره الإنساني وإيمانه الصواب من الخطأ، يدرك ويملك القدرة على تمييز الوجوه ولونها وما خلف الأقنعة المبهرجة! وحقيقة الأصوات وأرواحها، في النهاية يبقى ماذا قدَّم؟ ماذا حقق؟ مدى الإخلاص والأمانة والضمير، مدى تقدير المسؤولية والكرسي ويكون مع تواجد كل ذلك حارسا وظلا ملازما لتلك المسؤولية والكرسي، لا أن يدور المسؤول حول نفسه من على ذلك الكرسي ويراقب ظله! دون وعي وإدراك! ويكون فريسة صاحب منصب لأولئك المتسلقين والوصوليين. فهو اليوم هنا على ذلك الكرسي جالسا آمرا يملك التوقيع والقلم وسلطة المسؤولية، وغدا الله يعلم هل سيكون متواجدا وداخلا مكتبه أم مغادرا الباب!؟ Tw:@salwaalmulla