09 نوفمبر 2025
تسجيلهل هناك فرق جوهري بين الإعلام الإلكتروني الرسمي وبين التدوين وبين ما يسمى بالدردشة؟ والسؤال يقودنا بشكل أدق إلى سؤال آخر: هل سيحل الإعلام الجديد محل الإعلام الرسمي ليغير وزارتايها ومسمياتهما ويغير الخريطة الإعلامية والاتصالية للعالم كما غير الخريطة السياسية ووراثة العروش؟ سؤال جدير بالمناقشة إن التطورات الرقمية المذهلة في أدوات الملتيميديا وشبكات التواصل الاجتماعي ذكرتنا بانفتاح العالم على ما يسمى "الفاست فود"، فالوجبة الدسمة المُسَمِّنة المتخِمة تحضر في دقائق قليلة لتفيك بالغرض، والعلب الجاهزة أضحت قوالب غذائية جاهزة مكتملة تخضعها فقط لإشارات الميكرويف لتصلك في ثوان قبل ان يرتد إليك طرفك. ولكن، هل تغطي الوسائل الإعلامية الرقمية الجديدة إشباع المستهلك من ناحيتيه لتصل درجة الإشباع الفكري المكتمل العناصر أم إنها مشبعات مجارية لعصر السرعة وفي ذات الوقت محفزات أمراض مثل السمنة وأمراض سوء أو نقص التغذية وتداعياتها؟ حتى مطاعم الفاست فود في ظل المطالبات الجماهيرية الواعية باتت تجاري رغبة المستهلك فلم تعد الثقافة السريعة ثقافة السندويتش والبطاطا المقلية، بل تعدت ذلك الى توفير البدائل السريعة والمفيدة أيضا "الخبز البر" وأكواب السلطات السريعة و"حبيبات النخالة" أو الشوفان مع اللبن الرائب، ومنتجات الألبان قليلة الدسم؟ ربما يكمن الفرق في أنها جاءت في الإعلام بداية وجبة مفيدة مع ما في طياتها من شجون، ولكن طالما يتراوح السؤال هل تقتضي السرعة والآنية مع وسائل أو أدوات التواصل الحديثة "إعلام برغر" مهنية النقل ومصداقية النشر وأخلاقيات التدوين؟ خصوصا ان أثرها يتجاوز الفرد الى أثر الكلمة على المجتمع، وينطبق عليها بشكل أكبر "لا ضرر ولا ضرار". سعادة عبدالعزيز خوجة، وزير الإعلام والثقافة السعودي كتب في "إيلاف" يوم الإثنين بتاريخ 25 اكتوبر 2010 مقالاً قصصياً بعنوان (عبد العزيز خوجة يحاور خلفه في عام 2090). جديراً بمناقشته: والمقال يتلخص حول رؤيا رآها في المنام وأقضت مضجعه، رغم انه أعلن في بداية مقاله أنه من شدة إرهاقه قد أغلق هاتفه الجوال ليستريح، فلم يشأ ان يفكر في اجتماعات غده لئلا يستدعيه ذلك لفتح هاتفه الجوال لانه لن يحدث أحداً ألبتة. الوزير المسكين عدّ الخراف دون جدوى حتى خلد أخيراً للنوم فداهمه شخص زعم أنه وزير الثقافة والإعلام السعودي..!! ذُعر الوزير!! وزيران لوزارة واحدة؟؟ ونظراً لأهمية حديثه لكل زمان ومكان أترككم مع هذه المقتطفات من مقاله: ********* (قال له: لا تفهمني خطا أنا وأنت في نفس الوقت؟ قال: كيف؟ قال: أنا الوزير لعام، 2090. وأنا جئتك بآلة الزمن، التجارب العلمية عندنا لم تتوصل إلى تموضع زمني يتجاوز العشرين دقيقة. فسأله: تموضع زمني؟!. قال: التموضع الزمني معناها "المكوث في زمن الماضي من زمن المستقبل". قاطعت: حيلك عليّ. لا تهدر وقتك ولا تربك وقتي، ماذا تريد مني؟. قال: باختصار، ستنظم الوزارة معرضاً للكتاب، هناك مجموعة من المثقفين تطالب بفسح كتب معينة، ومجموعة أخرى تطالب بمنع كتب معينة، ومجموعة ثالثة تطالب بفسح الكتب الممنوعة، ومجموعة رابعة تطالب بمنع الكتب المفسوحة. صرّحت بأن كل الكتب مفسوحة فقامت الدنيا ولم تقعد، فصرحت بأن كل الكتب ممنوعة فقامت الدنيا — أيضاً — ولم تقعد. ماذا أفعل؟!. قال: بلاش ده الموضوع، قال: طيب، المتعاونون في التلفزيون السعودي يتذمرون من تأخر صرف المكافآت، وكما تعلم أن هذا الموضوع متعلق بالبنود ونحن في الوزارة.. قلت: أبوس يدّك اسكت!. قال: بالنسبة لتحويل التلفزيون ووكالة الأنباء والإذاعة إلى مؤسسة عامة، لم.. ذعرت وقلت: لأ، لا تقل لي: إنها لم تتحول!. قال: أبشرك.. إنها تحولت، لكن الناس لم ترضَ عن التجربة، فطلبوا تحويلها إلى مؤسسات خاصة، وبالفعل تم تحويلها إلى مؤسسات خاصة، ولكن الناس لم ترضَ مرة أخرى، فعادت مسؤوليتها من جديد إلى وزارة الثقافة والإعلام، لكننا لم نرضَ ولم يرضَ الناس، لذلك نفكر في تحويلها مرة أخرى إلى مؤسسات عامة، ما رأيك؟ قلت: غريبة!. قال: بلاش ده الموضوع، ما أخبار المراكز الثقافية؟. قال: أووه، نسيت أن أخبرك، بعد أن غادرت أنت الوزارة بنحو عقد ونصف — كما لا تعلم — تم إغلاق آخر صحيفة ورقية في المملكة عام 2025، وأعلن في نفس العام أن المملكة استطاعت أن تحقق مشروع "كل مواطن.. مدوّن"، وبالتالي استحدثت وزارة "الدردشة والتدوين" وتم تعيين عميد المدونين السعوديين يومها أول وزير لهذه الوزارة، قلت: وكيف علاقة وزارتنا بالوزارة الجديدة؟. قال باكياً: أنت تعرف أن المستقبل للصحافة الإلكترونية والمدونات والمواقع الاجتماعية والمنتديات الإلكترونية، لذلك أصبحت "وزارة الدردشة والتدوين" وزارة مهمة، واحنا وزارة أقل من عادية، هناك ناس تطالب بفصل "الثقافة" عن "الإعلام"، وناس تطالب بدمج وزارتنا مع وزارتهم، وناس تطالب بإلغاء وزارتنا، تصور هناك من يطالب بإلغاء وزارتنا، أليست هناك حرمة للتراث؟؟ قلت: أنتم أدرى بشؤون زمنكم. بالمناسبة كيف هي علاقتكم بمجلس الشورى؟. قال: في الحقيقة إنهم في هذه اللحظة — في زمني — يناقشون التقارير التي رفعتها وزارة الثقافة والإعلام عن عام 2088 وبالتالي... قلت: اسكت لا تورطني مع أحد!. يكفي الله يرضى عليك!. ******** انتهى.. مقطعاً أحببت عرضه عليكم من مقالة وزير الإعلام والثقافة السعودي، ومقالته ممتعة جداً، وتمنيت لو لم يدرك الخوجة الصباح، ولو لم يسكت عن الكلام المباح. خصوصا انه كرر المسائل العالقة في وزاراتنا الإعلامية المهترئة من هل تتحول إلى مؤسسات أو هيئات؟ ام تبقى وزارات؟ هل تنشر كتباً او تمنعها؟ ما مصير موظفيها ومكافآتهم، وما موقف مجلس الشورى كالعادة من القضايا العالقة منذ الزمانات؟؟؟.. كل تلك الجدلية العقيمة من مخلفات العصر "الجوراسي" والعالم يقطع شوطاً ضوئياً نحو إعلام جديد وتحد أكبر ومواليد سيبرنتية أحدث، المشكلة أننا نعيش في جلباب الماضي بدعوى "اسكت الله يرضى عليك"، و"لا تورطني.." فلم يواز إعلامنا صحوة مجتمعاتنا، فانقلبت مجتمعاتنا على جلابيب آبائها.. فلكل عصر جلبابه مع الاحتفاظ سلفا بهيبة الجلباب وحشمته وكرامته. ألا ترون أن الإعلام قضية جديرة بالمناقشة الآن في التموضع الزمني حيث لا تتشكل اليوم محصلة الرأي العام من الإعلام الرسمي فحسب بل تنبع زبدة القول فيه من أروقة الدردشة والنشر والتدوين. فمشروع "كل مواطن.. مدوّن"، يؤكد أن المستقبل للصحافة الإلكترونية والمدونات والمواقع الاجتماعية والمنتديات، وقد أعجبني مسمى الوزارة الجديدة التي أطلقها الخوجة على الثقافة والإعلام.. والتي وضعتها عنواناً لمقالي بعلامتي تنصيص مع الاحتفاظ بالإسناد وبراءة الاختراع للخوجة. "وزراة الدردشة والتدوين" إنه لتحدٍ جديد يواجه الإعلام الرسمي ولعله أقوى أثراً، لأنه صوت الشعب وصوت المواطن في كل مكان وكل زمان وكل ثقافة وفي كل لغة وبأي لهجة وبأدوات العصر. لذلك بكى الوزير أن وزارتهم أصبحت أقل من عادية.. وإنهم يفكرون في إغلاقها وكم هو مؤلم "أن يقول عن وزارة رائدة في الزمانات عند اغلاقها بقوله: أليس هناك حرمة للتراث؟ كناية عن انتهاء عصر الإعلام التراثي كما انتهت الديناصورات. الوزير أثار جدلية مهمة جداً مذكراً أن الوزارة الجديدة لن تكون فقط "تدوين" لان التدوين أو — النشر الإلكتروني — علم وفن راقٍ، ولكنها تحمل في طياتها الدردشة، ملمحاً إلى أهمية احتواء ما سبق "مهنياً" في مسيرة إعلام المستقبل ما دام جزءاً من أدوات تشكيل الرأي العام. باختصار ربما نشبِّه تشابه المواقف في دولنا بالمثل العربي القائل: "وافق شن طبقة" الخوجة لوح بطرح قضايا متشابهة ولكن تجمعها جميعاً ثقافة تعرقل مسيرة الإعلام الرسمي، وهي سياسة "الأفواه المكممة" السائدة والتي مفادها باختصار بالغ: "اسكت"، "لا تورطني"، "غير الموضوع"، "الله يرضى عليك"، "بلاش ده الموضوع"، "أبوس يدك تسكت"، وهو وزير إعلام وثقافة، بيده "ملف الحريات الإعلامية" وبيده في الوقت ذاته "وزارة" بكل أدوات التطوير، ربما نلمح من مقالته أنه لم يستطع ان يبوح بحدود صلاحياته في الواقع فنفس عنها في احلامه وبصوت من؟ لا بصوته بل بصوت خلفه الوهمي؟ وقرينه هو من ينفس الرغبات المكبوته بدليل أن كلمة "اسكت" تنقص الواقعين واقع المسؤولين وواقع الإعلاميين. مقالة الوزير وزيارة خلفه ذكرتني ليس بأحلام الشعوب بل بأقوالهم أيضاً، التي لا تجد لها متنفسا سوى المجالس وأحلام النوم لأنهم عاشوا في جلباب الخوف حتى تمنوا على حد قول الشاعر: وإني لأهوى النوم في غير حينه لعل لقاء ً في المنام يكون تخبرني أحلام المنام بأني أراكم فيا ليت أحلام المنام يقين فعشق الكثير النوم واستمرأ مناجاة الأحلام لتفريغ همومه وكلومه المكبوتة في الواقع، وما أن يصرح بها بقوة حتى يعود ليصحو من سباته ليبصق عن شماله ثلاث مرات مستغفراً.. خشية أن يكون ما باغته رجساً من عمل الشيطان. ولكن عصر الثورة الإعلامية والنيوميديا لم يعد يسمح اليوم حتى بأحلام اليقظة، ولم يترك لها مجالاً، بل أدخل السلطة الرابعة في تحدٍ يجب أن تضعه على المائدة قبل ان يتحول الإعلام الرسمي إلى أثر بعد عين. كاتبة وإعلامية قطرية Twitter: @medad_alqalam medad_alqalam @ yahoo.com