12 نوفمبر 2025
تسجيلإن عدم خضوع المبعوث الدبلوماسي لقضاء الدولة المعتمد لديها في المسائل المدنية يستند إلى اعتبارين: الاعتبار الأول: أن إقامة هذا المبعوث الدبلوماسي في هذه الدولة مهما طال أمدها تعتبر إقامة عارضة تفرضها عليه مهام وظيفته، لهذا.. يعتبر محل إقامة المبعوث الدبلوماسي الثابت في الدولة التي يتبعها باعتبارها مقره الأصلي، ويجب أن تكون مقاضاته عن أعماله وتصرفاته أمام محاكم هذه الدولة دون غيرها. الاعتبار الثاني: أن طبيعة عمل المبعوث الدبلوماسي في الدولة المبعوث لديها ما تقتضيه الضرورة من الاحتفاظ باستقلاله في القيام بمهمته والمحافظة على صفته التمثيلية لدولته، تتنافى مع جواز رفع دعوى مدنية عليه، أو مقاضاته كأي فرد عادي أمام محاكم الدولة التي يتولى فيها هذه المهام، لذا استقر العرف الدولي منذ زمن على إعفاء المبعوثين الدبلوماسيين في البلاد المعتمدين لديها، لا من المحاكمة الجنائية فحسب، وإنما كذلك من المقاضاة المدنية، وقد سُجل هذا العرف في كثير من الدول وذلك في تشريعاتها الوطنية، كما اتبع ذلك المحاكم في مختلف الدول. فإذا رفعت دعاوى مدنية ضد مبعوثين دبلوماسيين لدول أجنبية كانت تقضي بعدم اختصاصها بنظر الدعوى متى ثبت لها صفة الدبلوماسية للمدعى عليها. كذلك نص مشروع لائحة الحصانات والامتيازات الدبلوماسية الذي أقره مجمع القانون الدولي في كمبردج على أن الحصانة القضائية للمبعوثين الدبلوماسيين تشمل المسائل المدنية كما تشمل المسائل الجنائية، ونصت على ذلك أيضاً اتفاقية هافانا المبرمة بين الدول الأمريكية سنة ١٩٢٨ م حيث أكدت نفس الشيء اتفاقية فينا في الفقرة الثانية للمادة (31) على أن المبعوث الدبلوماسي يتمتع بالإعفاء من القضاء المدني والإداري في الدولة المعتمد لديها. ولا يعني إعفاء المبعوث الدبلوماسي من الخضوع للقضاء الإقليمي في المسائل المدنية ضياع حقوق الأفراد والذين قد يكون مديناً لهم في الدولة المعتمد لديها، ولهؤلاء الأشخاص في حالة رفض المبعوث الوفاء بدينه أو التزاماته عند المطالبة له ودياً أن يلجأ هؤلاء الأفراد إلى الوسائل التالية: أولاً: التقدم بشكوى إلى الرئيس المباشر للمبعوث الدبلوماسي المدين، فإن كان المدين أحد أعضاء البعثة الدبلوماسية تقدم الشكوى لرئيس البعثة، وإن كان المدين هو نفسه رئيس البعثة الدبلوماسية تقدم عندها الشكوى إلى وزير الخارجية عن طريق وزير خارجية دولة الدائن، ولرؤساء المبعوث الدبلوماسي المشكو في حقه أن يقرروا ما إذا كانوا يستطيعون إجباره على الوفاء وذلك بالاستقطاع من مرتبه الشهري أو يوجهون الدائن بمقاضاة المبعوث الدبلوماسي المدين أمام محاكم بلده، وفي كل الحالات إذا لم يستمع رئيس المبعوث الدبلوماسي إلى الشكوى أو أنه رفض التدخل يكون هنا للدائن أن يلجأ إلى محاكم بلد المبعوث الدبلوماسي وذلك للمطالبة بحقه وفق الإجراءات التي يقضي بها القانون في هذه الدولة، وللدائن بطبيعة الحال أن ينيب عند القيام بهذه المهمة أحد المحامين أو الوكلاء المقبولين أمام تلك المحاكم. والاتجاه الغالب تعميم الإعفاء من القضاء المدني الإقليمي بالنسبة للمبعوثين الدبلوماسيين الأجانب بصرف النظر عن نوع الالتزامات والحقوق المطالب بها والتي قد تكون موقع نزاع بين المبعوث الدبلوماسي والغير، وعدم إزعاجه وتوتره بمقاضاته أمام المحاكم المحلية وتهديد طمأنينته، وعلى أصحاب الحقوق أن يلجأوا إلى الوسائل البديله التي ذكرناها. هذا بالنسبة للديون والالتزامات التي على المبعوث الدبلوماسي، أما إذا كان الأمر يتعلق بأموال عقارية خاصة به في الدولة المبعوث لديها فإذا أصدر القضاء المحلي حكمه في غير صالح المبعوث الدبلوماسي فلا يجوز أن تتخذ ضده إجراءات التنفيذ العادية التي يخضع لها الأفراد، وعلى صاحب الحق المحكوم له أن يلجأ إلى الوسائل الأخرى لاستيفاء حقه من المبعوث الدبلوماسي المحكوم ضده. هذه المغالاة والمبالغة في حماية المبعوثين الدبلوماسيين شجعت كثيراً منهم على الإقدام على بعض التصرفات والتي تكون بعيدة كل البعد عن مهامهم الدبلوماسية، فمنهم من قام بمزاولة الأعمال التجارية في الدولة الموفدين إليها، ومنهم من قام بالدراسة في الجامعات وتكملة رسالة الماجستير والدكتوراة مستغلين بذلك وجودهم ووظائفهم الدبلوماسية، ومنهم من قام بعقد صفقات وإبرام عقود بغرض الربح والتكسب وجمع المال، ومنهم من قام بشراء عقارات خلاف مساكنهم الخاصة، ومنهم من قام بالدخول في شراكات تجارية واقتصادية وعقارية ومالية مع أشخاص متنفذين في هذه الدولة من أجل المال، وقد كان لمثل هذه التصرفات والمصالح الخاصة لهؤلاء الدبلوماسيين ردة فعل وحساسية لدى كثير من الدول التي كانت تطبق مبدأ الإعفاء الكامل من القضاء المدني الإقليمي بالنسبة للمبعوثين الدبلوماسيين فبدأت بالتالي تميل نحو تقييد هذا الإعفاء وأبدت بعض الدول رسمياً وجهة نظرها في هذا الموضوع إلى اللجنة القانونية الخاصة التي كانت قد عهدت إليها عصبة الأمم بتدوين القواعد المتعلقة بالحصانات والامتيازات الدبلوماسية، كما لا يجوز التمسك بهذه الحصانة في الدعاوى العينية ومنها دعاوى الحيازة الخاصة بمال موجود في هذه الدولة، سواء كان هذا المال عقارا أو منقولا. وأخيراً وبعد النظر في هذا المشروع على ضوء التوجهات الجديدة في اجتماع نيويورك تقرر أن لا يشمل الإعفاء من القضاء الإقليمي الحالات التالية: 1) إذا كانت الدعاوى تتعلق بأموال عقارية يملكها المبعوث الدبلوماسي في إقليم الدولة المبعوث إليها. 2) إذا كانت الدعوى ناشئة عن أعمال تجارية أو ما شابه قام بها المبعوث الدبلوماسي لحسابه الخاص دون أن يكون لها علاقة بمهام وظيفته. 3) إذا كانت الدعوى متفرعة من دعوى أصلية تقدم بها المبعوث الدبلوماسي بنفسه إلى قضاء الدولة باعتباره مدعياً. مستشار وخبير قانوني [email protected]