11 نوفمبر 2025

تسجيل

هل تسيطر على آلامك؟

28 أكتوبر 2014

بالأمس تطرقنا الى قصة النسوة اللائي قطّعن أيديهن بمنزل زوجة العزيز، أثناء دخول نبي الله يوسف عليه السلام عليهن، وذلك من شدة انبهارهن بجماله غير المعهود في البشر، وانطلاقاً من القصة سنتحدث عن كيفية السيطرة على الألم عند الإنسان.. إن المرء يندهش وهو يقرأ الوصف القرآني الدقيق للمشهد كما لو أننا نرى الحدث كفلم سينمائي شديد الوضوح . مجموعة نسوة ، كل واحدة بيدها سكين .. وفجأة تجرح نفسها أثناء توجيه تركيزها نحو نقطة واحدة فقط متمثلة في الجمال المبهر لشخص، اعتقدن جميعاً أنه ليس من البشر.. ماذا جرى في تلك الثواني المعدودات حتى تتعطل شبكة الأحاسيس عندهن جميعاً ، فلا يشعرن بالألم الذي ينتج عن التماس السكين بالجسم وقطع الشرايين ونزيف الدم .. إذ كلنا يدرك ذاك الألم ولو في أبسط درجاته ، لكن ما حصل مع النسوة أمره عجيب في ذاك الزمان ، وهو ربما فتح الآفاق لبحث مسألة الألم ، وكيف يمكن السيطرة عليه عبر تعطيل الشعور به مؤقتاً.. اليوم نستخدم المخدرات الطبية والمسكنات التي لها مفعول قوي ومؤثر على الجسم ، لكن قصة النسوة تؤكد أن الإنسان بإمكانه السيطرة على الألم وتعطيل الإحساس به لفترة محدودة.. وربما في هذه المقام من الجدير أيضاً أن نورد قصة عروة بن الزبير رضي الله عنه ، وقد أصابت الغرغرينا ساقه فلم يكن من بد إلا قطعها بحسب ما قال الأطباء يومها .. فقيل بأنهم جاءوا إليه بخمر ليعمل عمل المخدر ، فرفضه فوراً، فقال : كيف أشربها وقد حرمها الله في كتابه ؟ قالوا : فكيف نفعل بك إذاً؟ قال : دعوني أصلي ، فإذا أنا قمت للصلاة فشأنكم وما تريدون !! وقد عُرف عنه إذا قام يصلي سهى عن كل ما حوله وتعلق قلبه بالله تعالى .. فقام يصلي وتركوه حتى سجد وأطال في السجود ، فكشفوا عن ساقه فأخذوا المنشار حتى بتروا ساقه وفصلوها عن جسده وهو ساجد لم يحرك ساكناً !! ونزف كثيراً ، وأحضروا زيتاً مغلياً وسكبوه على ساقه ليقف النزيف , فلم يحتمل حرارة الزيت , فأغمي عليه !! وبعد أن أفاق ، عزاه الحاضرون ، فحمد الله وسأله خيراً ! مرة أخرى نتساءل ونقول : أي قوة تركيز كانت عند عروة ، بحيث لا يشعر بما حوله من ماديات بحسب ما قيل عنه ؛ ما إن يدخل الصلاة حتى ينسى وجوده المادي المحسوس ويدخل عالماً يختلف عن عالمنا البشري المادي المحسوس .. فهل لدى الإنسان تلك القدرة على ضبط مراكز الإحساس بالألم ، فيعطلها عن العمل لحين من الوقت ، مهما كان هذا الوقت قصيراً ؟ يبدو الأمر كذلك ، وحول هذا ستكون لنا دندنة أخيرة بالغد إن شاء الله..