05 نوفمبر 2025
تسجيليمثل تأمين دولة صغيرة للإمدادات اللازمة من المواد الغذائية الأساسية بنسبة تصل إلى 100٪ تقريبًا، مع تحقيقها للاكتفاء الذاتي من الخضراوات الأساسية بنسبة تزيد على 40٪، تقدمًا مثيرًا للإعجاب على طريق الاعتماد على الذات، وهو أمر رائع بالنسبة لدولة قطر التي تُشكل الصحراء مساحة كبيرة من أراضيها، ويُعدُ مناخها من أقسى المناخات عندما يتعلق الأمر بزراعة المواد الغذائية بسبب ندرة الأمطار وعدم إمكانية التنبؤ بموعد سقوطها، كما يمكن أن تصل درجات الحرارة في فصل الصيف الذي يمتد لفترة طويلة إلى 50 درجة مئوية. وقد أدى الاضطراب الاقتصادي الذي حدث منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008 إلى تعزيز أهمية الأمن الغذائي، وقد أحرزت الدولة قدرًا كبيرًا من التقدم في مساعيها الرامية لتحقيق الأمن الغذائي خلال السنوات الخمس الماضية، حيث كانت البلاد تستورد حوالي 80-90٪ من الأغذية التي تستهلكها حتى الفترة من عام 2016 إلى 2017، وكان حوالي 40٪ منها يأتي عن طريق البر من المملكة العربية السعودية. ونجحت دولة قطر في تنويع مصادر الإمدادات الغذائية، وإنتاج الغذاء داخل الدولة، متحديةً أي افتراض بأن الزراعة في قطر على نطاق واسع تبدو مستحيلة. وبحلول شهر أكتوبر من عام 2021، أعلن الدكتور مسعود جارالله المري، مدير إدارة الأمن الغذائي بوزارة البلدية، عن وصول نسبة الاكتفاء الذاتي في إنتاج خمس مواد غذائية أساسية من الخضراوات إلى 46٪، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الدواجن الطازجة بنسبة 100٪، مع تسجيل نسبة 70٪ للتمور و75٪ للأسماك. وتتبوأ دولة قطر الآن المرتبة الرابعة والعشرين على مستوى العالم في قائمة أكثر الدول تحقيقًا للأمن الغذائي. وكانت هذه المسألة قد تحولت إلى أولوية استراتيجية للدولة منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بعد تأثرها جزئيًا بالأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2008. وتمتلك قطر صندوق ثروة سيادي تبلغ قيمته 475 مليار دولار لعدد مواطنين قد يتراوح ما بين 320 و350 ألف نسمة، لذلك فقد كان لديها الموارد اللازمة لتنفيذ خطة استراتيجية طموحة في هذا الصدد. وهناك أربعة محاور لهذه الاستراتيجية وردت في السياسة الرسمية التي تتبناها الدولة للفترة من عام 2018 وحتى 2023 وهي: تنويع الطرق التجارية؛ ورفع كفاءة عملية النقل مع تقليل الفاقد؛ وبناء الصوامع والمخازن، وتعزيز قدرات الزراعة المحلية. وكان من بين استراتيجيات الاستثمار السابقة شراء حصص في المزارع والشركات الزراعية في مناطق أخرى، مثل أفريقيا وأستراليا. وقد حقق هذا التوجه نتائج مختلطة، حيث أدى الاستثمار الداخلي إلى ارتفاع تكلفة الأراضي بالنسبة للمزارعين المحليين في تلك الدول، وهو ما أدى إلى حدوث رد فعل غير مواتٍ. علاوة على ذلك، رغم أن صندوق الثروة السيادي القطري عن طريق شركة حصاد ربما كان يمتلك مزارع منتجة في بلدان أخرى، إلا أنه كان لا يزال ملزمًا بقوانين تلك البلدان التي كانت تتضمن تدابير لمنع التصدير أو تقييده عندما تكون هناك حاجة ملحة لتوفير الإمدادات الغذائية للسكان المحليين. وهذه سياسة مفهومة تمامًا، بالطبع، لكنها تقلل من قيمة الاستثمار. وفي بداية العقد الثاني من القرن الحالي، تمحورت استراتيجية الاستثمار بقوة أكبر نحو التركيز على إنتاج الغذاء في دولة قطر، لتعزيز التنوع ودعم الإمدادات في خضم حالة عدم اليقين الاقتصادي. وقد ساهمت التطورات التي حدثت في مجال التكنولوجيا الزراعية في إتاحة إمكانية تحقيق هذا التحول، حيث تتيح طرق الزراعة المائية والزراعة العمودية والذكاء الاصطناعي إنتاجية عالية لمجموعة من الأغذية التي تتطلب القليل من الأراضي واستخدام المياه بكفاءة، والحماية من شمس الصحراء. منذ أن بدأت الدولة سياسة الاستثمار ودعم الإنتاج المحلي، ارتفع التضخم العالمي في أسعار الغذاء، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الصراع في أوكرانيا. وهذا يبرر هذه السياسة، حيث يساعد الدعم في الحد من الضغوط التضخمية. بالإضافة إلى ذلك، دعمت الحكومة المنتجين، وهي الطريقة الأكثر فعالية لمساعدة المستهلكين على التعامل مع ارتفاع تكاليف المعيشة، مقارنة بزيادة الأجور أو دعم دخل المستهلك، لأن لها فائدة إضافية تتمثل في الحفاظ على العرض الغذائي. كانت الزراعة مجالا للنجاح من حيث السياسة في قطر في السنوات الأخيرة. وسوف تستعرض المقالة التالية بعض الطرق المبتكرة التي يتم من خلالها إنتاج مجموعة متنوعة من المواد الغذائية في قطر، والتي غالبًا ما يكون لها تأثير ضئيل على البيئة.