05 نوفمبر 2025
تسجيلنحن الناس وهم نحن، ولن نتمكن من الانعزال عن الآخرين، وحاجتنا إلى التكيف الاجتماعي ضرورة بشرية، ونشارك بعضنا في ممارسات وعادات تقترب من الصواب أو الخطأ أو تحيد عنهما حسب توافقها أو تعارضها مع منهاج الحق التام الذي أقرته شريعة السماء الإلهية. فهل يبرر لنا هذا اتخاذ ما يفعله الآخرون حجة في تقليدهم، أو الاندفاع خلف هذا وذاك، وهذه وتلك من الآدميين دون تحكيم تعاليم الدين، أو الاحتكام للحق ومنطق العدل الموجب للتفكر وأعمال العقل وتقدير العواقب! كثيرون تحولوا إلى إمعات يخطئون أويصيبون دون وعي ينقادون لغيرهم وتذوب شخصياتهم بينهم، فيغدو أحدهم مزعزع الرأي مسلوب القرار فاقد الهدف، بل قد يرتكب المحرمات وكبائر الذنوب، محتجا بمقولة شائعة ذائعة (كل الناس يفعلون ذلك) (ونحن لسنا مختلفين عن غيرنا) و(حشر مع الناس عيد) وغيرها من عبارات التبعية والتقليد الأجوف، مكرسين نهجا جاهليا عقيما ورد في بيت دريد بن الصمة، إذ يقول: وما أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد. وفي ذات السياق يتبادر إلى الأذهان المثل الشعبي الشهير (مع الخيل ياشقرا) وقصته إن فلاحا قرويا له عدد من الخيول الأصيلة وكان يفتح لها الاصطبل يوميا ليدربها وفي المزرعة بقرة شقراء اللون كلما مرت بها الخيول مسرعة جرت خلفها رافعة ذيلها!. فلما شاهد المنظر تعجب من فعلها وقال تلك المقولة التي ذهبت مثلا يضرب لكل من يقلد غيره دون ترو أو معرفة السبب وتقدير النتيجة. وقس على ذلك ممارسات عديدة، نرى ونسمع أصحابها هائمين بلا هدى، ناعقين بما يفعله غيرهم أو يقوله، حتى وإن انطوى على مضرتهم أو أزرى بهم ! تفشت تلك الحالة من التبعية والانقياد الأعمى في مجتمعنا، أناس منقادون لغيرهم، عاجزون عن اتخاذ قرار يخصهم، منزوعو الهوية، مما أدى إلى انطماس شخصية الفرد المسلم في حالات كثيرة، وهو الذي أراده الله متميزا عن غيره معتزا بدينه قائدا ومرشدا، منافسا في علو الهمة ومجد الأمة. ومن المفاهيم المغلوطة أن بعض الشباب يظن أن اتباع مسلك الآخرين وتقليد صنيعهم من دواعي لزوم الجماعة ويرددون (يد الله مع الجماعة)، وهذا خلط سيئ لأن معية الله مع جماعة الحق والهدى والرشاد وليست مع جماعة الباطل والضلال والفساد، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام (لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس إحسنَّا وإن ظلموا ظلمنا ، ولكن وطِّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا)، ولذلك يجب التفريق الدقيق بين اتخاذ القدوات الحسنة وبين تقليد الآخرين في أخطائهم، والحذر من الاغترار بقدوات سيئة ضالة، ولسنا مجبرين على تقليد غيرنا أو الانصياع لما يزينه لنا واتخاذه حجة نقارع بها الخصوم، فالحق مستقيم أبلج والباطل سقيم أعوج، ومن يتأمل بصمة إصبعه واختلافها عن بصمة غيره يدرك كيف خلق الله الناس وميزهم في القدرات والمواهب، لكي يؤدي كل منهم دوره المطلوب في تحقيق التكامل بينهم، وحتما تتنوع الأدوار رغم وحدة الهدف. من قراءاتي إن الميلاد الحقيقي للإنسان ليس تلك اللحظة التي يخرج صارخا إلى الدنيا من رحم أمه، وإنما يولد الإنسان في اللحظة التي يعثر فيها على مشروعه. ( مشروع العمر / د. مشعل بن عبدالعزيز الفلاحي).