07 نوفمبر 2025
تسجيللم تخشَ الدول الغربية الكبرى تفوقا عليها من قبل المنافسين الدوليين كروسيا والصين بعد التفوّق في الأسلحة العسكرية التقليدية والنووية إلا من التفوّق في السلاح التكنولوجي. والتفوّق لا يعني استخدام الأدوات المشتراة بل المبتكرة ليس لأهداف الاستثمار والسوق والاقتصاد فحسب بل في الاختراع الرقمي والتملّك والاستحواذ المتفرّد على المستوى التكنولوجي والإعلامي الرقمي وإنشاء خوادمه ومحطاته بملكية خاصّة لا مستأجرة. فالدبلوماسيّة والقوة الناعمة تتطلب منّا امتلاك الأدوات الرقميّة ومفاتيحها في عالم الريادة التكنولوجية والتطور وتغيير قواعد اللعبة خصوصا وان لغتها لغة عالمية لم يخترعها الغرب بل بني منطقها على العمليات العقلية الحسابية التي اخترعها الخوارزمي وتم توارث الغرب لها من بعده في الابتكار دوننا رغم أننا لا نعدم العقول العربية في لغتها ولا هندستها وبرمجياتها. لذلك تبقى الصين ندا خطيرا للولايات المتّحدة الأمريكيّة حيث إنها تعتمد الذكاء الاصطناعي والإنتاج الرقمي وصناعة منصّات التواصل الاجتماعي المنافسة للمنصات الأمريكيّة مثل «التيك توك» الذي تفوق عليها رغم حداثته وتم حظره فيها وفي الاتحاد الأوروربي منذ مجازر إسرائيل على غزّة لتفوّق السرديّة الفلسطينية الإنسانية تلقائيا فيه على السرديّة الصهيونية الغاشمة التي تشيعها منصاتهم تلاعبا في برمجة الخوارزميات، بل وتقيّد كل المستخدمين من النشر عن مجازر غزة وتغلق حساباتهم إمعانا في تضليل العالم وشعوبها وتعمل على حذف المحتوى الفلسطيني وحقائق وأخبار الانتهاكات الانسانيّة الصارخة، بل وتتعمّد تعتيم وحذف الصور وتشويه المعلومات وقلب الحقائق. يجدر السؤال ونحن نعتمد الابتكار في التطبيقات والمنصات الاستثمارية، هل نجحنا نحن العرب في ابتكار منّصة إعلامية رقميّة منافسة متعددة اللغات؟ وإذا كان حال التجمّع العربي متشرذما على مستوى البرامج....نعود للمستوى القُطري على مستوى الدولة، ونحن نحتضن أول وأكبر قمّة ويب في الشرق الأوسط، هل نجحت قطر في إطلاق منصّة تواصل اجتماعي عالمية تفاعليّة أو استحواذ ناشئة واعدة مثل تلك القوية في X & TiKTok وهل سنتبع خطوات الصين التي أصبحت النسخة الشرقية المرعبة للمنافسة الرقميّة لأمريكا؟ قد يقول قائل: ماذا تهرفون؟ والسؤال المعتاد للمتشائمين: وما حجم قطر؟ أودّ هنا أن أذكّر بأن قطر الصغيرة جغرافيا لا سياسيا هي التي غيّرت مفهوم الإعلام بعد الفكرة الرائدة لسمو الأمير الوالد ورهانه على مشروع شبكة إخبارية فضائية هي الأولى من نوعها في المنطقة العربية وحقّ لها أن تسطّر مفهوما جديدا في الإعلام سمّاه علماء الإعلام في الغرب بـ (ظاهرة الجزيرة) بل وأطلق عليه دون غيره مصطلح (الإعلام الجديد) وهو الذي يعتمد البث الدولي فيه على الأقمار الصناعية بعد وقت كبير استحوذ فيه الغرب على ملكية الإعلام والنشر الدولي وتفردوا في التحكم الإخباري وفي تدفق المعلومات القطبي الأحادي وبتنا فيه أسرى لصور وأخبار مضللة وهي التي تتحكم وتستحوذ تضليل تغطية القضية الفلسطينية وإحداث أزمات عربية أو بين دول الجوار اكتشفنا بعد ذلك عدم حياديتها بل وتمهيدها العالم كلّه لما تودّ افتعاله من أزمات كـ (السي ان ان) وغزو العراق باختلاق ذرائع للحرب والاستيلاء على دولنا ومقدراتها.. وكذبة أسلحة الدمار الشامل خير دليل. كان ذلك في التسعينات وبداية الألفية، أمّا اليوم فمع أهميّة الشبكات الفضائية - تلك القوى الناعمة- اخترق الانترنت العالم وتطوّر بسرعة الضوء من صورة تقليدية سميّت بـ المواقع التصفحيّة الثابته غير التفاعلية عرفت بـ Web.1.0 إلى مواقع تفاعلية آنية بين المتسخدمين حول العالم أطلق عليها Web. 2.0 تلك التفاعلية التي أفرزت تنافسيّة في ظهور منصات رقمية اجتماعية شكّلت ثورة في الثروة الإعلامية الفرديّة والجماعية ولكّنها في دواخلها تخفي قدرات رقمّية هائلة للتحكم المعلوماتي والاستخباراتي والأمني أيضا والذي تعتمد أهداف استخداماته على أخلاقيات من يمتلك بنيته الرقمية وخوادم مدن السيليكون فيها. إلى أن جاءت طفرة دفاتر البيانات الرقمية (بلوك تشين) وما يسمى Web.3.0. ودخول العوالم الخفية الغامضة وما تبعها من ثورة الشات جي بي تي وأخواتها وما سيفضي له مستقبلا في تطور مذهل يجب ألاّ نقف أمامه موقف المستهلك خصوصا وان قمة الويب تدعو قطر فيها إلى الريادة في الابتكار التي حتما نؤمن بأنها ستطال كلّ شيء بدأت الدولة في تطويعه رقميا من النفط والغاز إلى الطبّ، الاستثمار والاقتصاد بل وحتّى الرياضة، التربية والتعليم والإعلام. وقطر تحتصن أضخم حدث تكنولوجي وتشكل فيه أكبر حضور عالمي، سعدنا بإعلان معالي رئيس مجلس الوزراء عن تخصيص الدولة استثمارات بقيمة مليار دولار أمريكي لدعم الشركات الناشئة في قطر والعالم، لتطوير اقتصاد تنافسي ومتنوع. وسعدنا بتوقيع عديد من مذكرات التفاهم مع كبرى شركات التكنولوجيا وصناعة المحتوى في ظل عصر جديد من الإنجازات البشرية في زمن الذكاء الاصطناعي بأنواعه المختلفة لتعزيز مكانة قطر كرائد في المنطقة، وإبراز الهوية الوطنية القطرية على المستوى العالمي لتحقيق استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة 2024 – 2030،المرحلة الأخيرة من رؤية قطر 2030. أما وقد أكّد معاليه:»إنه مع استمرار التكنولوجيات الناشئة في فتح أبواب جديدة، يجب إدراك أن الابتكار لا يقتصر فقط على استحداث أدوات جديدة، بل يتعلق بإعادة تصور الإمكانات التي يمكن تحقيقها باستخدام تلك الأدوات خصوصا وان دولة قطر تمتلك استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية والمناطق الحرة».. فلنا إذاً أن نؤكد على هدف مهمّ بل ونراهن فيه على نجاح لا يقل عن ثورة إنشاء الجزيرة في التسعينات ونجاحها المدوّي فلدينا على المسار الآخر من إمكانات البنية التحتيّة الرقميّة بذور طيبة أيضا في المدينة التعليمية في واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا ومعهد قطر لبحوث الحوسبة الرقميّة في أربعة مسارات فضلا عن تخصصات الهندسة الرقمية والاتصالات في جامعة قطر وجامعة الدوحة للعلوم والتكنولجيا الواعدة. هذا وتمتلك دولة قطر بنية تحتيّة أخرى يمكننا تطويرها لنؤسس تزامنيا مع استثماراتنا الرقمية العالمية في الأسهم منصّات رقمية إعلامية محلّية «في قطر» لنتجاوز خدعة الديمقراطية الزائفة ومنصات احتكار السياسات والتلاعب في المحتوى بهندسة الخوارزميات. وحرّي بقطر أن تنشئ في ذاتها «سيليكون فالي» للدولة بعد أن اجتازت وبجدارة فضاء الأقمار الصناعية الاحتكارية لتعزّز حضور الفضاء بعد حضور الأرض في أقمار سهيل 1 و 2 وتجاوزت أعداء تشويش الجزيرة في عصر التأجير، سيليكون جدير بنا أن نعيد فيه تسمية «الخوارزمي» تأصيلا تاريخيا وتأسيّا وريادة. سيليكون فالي لن يكلّف كثيرا من موازنة المكرمة التكنولوجية المعلنة في قمّة الويب ولكنه حتما سيكفيها شرّ التشويش والتضليل الرقمي وسيوفّر لها أضعاف الامتيازات دبلوماسيا وسياسيّا وأمنيا واقتصاديا أيضا...