08 نوفمبر 2025
تسجيللا يستطيع أحد فهم تصرفات حكومة دولة جنوب السودان، إذا ما أراد أن يقيس الأمور بمنطق الأشياء.. ربما في إطار الكيد السياسي أو ربما في إطار (التكتيك) الذي يستهدف تحقيق نقاط في المفاوضات، أقدمت حكومة دولة جنوب السودان على توقيع اتفاق مع كينيا لمد خط أنابيب نفط ينتهي بأحد الموانئ الكينية بهدف ما تعتبره جوبا تحريرا من الاعتماد على الخرطوم التي يمر خط تصدير نفط الجنوب الحالي عبر أراضيها بطول (1600) كيلو متر كأطول خط أنابيب من نوعه في إفريقيا والشرق الأوسط.. وجه الغرابة أن منطق الأشياء ومنطق الجدوى الاقتصادية لا يتفق وخطط إنشاء خط جديد عبر كينيا.. يستغرق إنجاز خط مثل هذا حوالي (5) سنوات بتكلفة عالية جدا لا تسمح الظروف الحالية في العالم بأن تغامر جهة دولية ما بتمويل مثل هذا المشروع الخيالي.. الخط المزمع يسير في اتجاه يتعارض مع جغرافية المنطقة حيث الارتفاع كل ما اتجهنا جنوبا حيث مسار مرور الخط الجديد على عكس الخط الحالي الذي يمر عبر أراضي السودان في الشمال، وهذا يعني كذلك تكلفة تشغيل مضاعفة حيث يتطلب الأمر في إطار معالجة اتجاه الخط إلى أعلى مضاعفة محطات إعادة الضخ.. إن تجاوزنا تمويل إنشاء الخط ومن ثمّ تكلفة تشغيله، هل تستطيع دولة جنوب السودان التي تعتمد على إيرادات النفط بنسبة (98%) الانتظار لخمسة أعوام؟، كما لابد أن تتفق جوبا مع كينيا على تسعير خدمة مرور النفط عبر أراضي كينيا التي لن تتنازل لجوبا بأي حال من الأحوال أو تمنحها الخدمة مجانا!!. يشار إلى أن خبراء يقولون إن نفط جنوب السودان سينضب خلال أقل من عقدين من الزمان!! الأزمة الحالية بين الخرطوم وجوبا، أزمة مفتعلة وقضية فنية تجارية بحتة حشرت حشرا في لجة العراك السياسي بين البلدين.. تسعير إيجار خط الأنابيب ليست قضية جديدة، فالعالم فيه نماذج عديدة وأمثلة متكررة، فهناك قوانين وأعراف تواضعت عليها الدول المختلفة في هذا الصدد.. الخرطوم تأخذ على جوبا أنها وضعت شخصية شديدة العداء للشمال على رأس وفدها المفاوض وهو السيد باقان أموم وهو أحد عناصر التأزيم في العلاقة بين الشمال والجنوب منذ ما قبل توقيع اتفاقية السلام في 2005م.. باقان سبق وأن صرح بأنهم (في الجنوب) على استعداد للعيش في ظل فقر مدقع ولا تهدر كرامتهم!!. إن كانت القضية فنية وتجارية فما دخل الكرامة هنا؟! بتلك الذهنية يقود باقان مفاوضات بلاده مع الخرطوم ولذا لم تتخط تلك المفاوضات المربع الأول. وقف إنتاج النفط عملية انتحار يمارسها قادة دولة الجنوب وسط معارضة داخلية كبيرة.. أعضاء بمجلس تشريعي جنوب السودان (البرلمان) أبدوا عدم موافقتهم على قرار حول إيقاف ترحيل نفط الجنوب عبر منشآت الشمال. ويرى أنرو أكونج عضو المعارضة داخل المجلس أن القرار سيترتب عليه أضرار بالغة، أجملها في تدني مستوى المعيشة للشعب الجنوبي، وارتفاع حدة البطالة والمجاعة، بجانب انخفاض مستوى دخل الفرد؛ باعتبار أن الجنوب يعتمد كلياً في موارده على عائدات النفط.. أكونج أبدى عدم رضائه عن القرار معتبره غير صائب في هذا التوقيت، لأن الجنوب دولة وليدة تعاني أزمات وحروب طاحنة عقب الانفصال. ويرى أن الخرطوم دولة مؤسسة تتميز بإمكانات هائلة وبدائل اقتصادية كثيرة. قد نتفق مع من يعتقد بأن نهج المزايدات السياسية الذي اتخذته الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا سلاح لتغطية فشلها في تحقيق التنمية واستحداث البنى التحتية، في الوقت الذي اعتبروا أنه سيعود بنتائج سلبية خاصة أنه يأتي بعد وقت وجيز من إعلان ميلاد الدولة الجديدة، وهو يؤكد بصورة واضحة سوء الأوضاع الإنسانية والأمنية بالجنوب في ظل حروب طائفية عرقية طاحنة تمثل قنبلة موقوتة قابلة لاشتعال نيران الحرب الأهلية بين المورلي والنوير من ناحية، وبين المنشقين والجيش الشعبي من ناحية أخرى.