14 نوفمبر 2025

تسجيل

التمحور حول الذات في التلفزيون

27 ديسمبر 2015

تحفل برامج التلفزيون بالعديد من الحوارات التي تهدف في الأساس إلى إحراج الضيف ووضعه في الزاوية الضيقة، ما يُخرج البرنامج عن هدفه الأسمى. ولكأن المذيع يريد استعراض قوته ودهائه ويستغل المحطة كلها كي يجرح ضيفه ويربكه. بل إن بعضهم يتمادى في ذِكر بعض الأمور الشخصية للضيف، والتي من غير المُستحب أن تخرج على وسائل الإعلام. والمصيبة أن الضيف يتجمَّل في بعض الأحيان ولا يرد على هجوم المذيع أو المذيعة المتسلطة، ونجده ملتزماً بأخلاقيات الحوار التلفزيوني، وهنا تنشط خلايا المذيعة، وتبدأ في الضغط على الضيف.إن الحوارات السياسية تستوجب كشف الحقيقة وإظهار تناقضات كلام السياسي أو كذبه، إن وُجد، ويكون الضغط حميداً في مثل هذه المواقف. ولكن أن تقوم مذيعه - ثقافتها التلفزيونية متواضعة - بالضغط وكشف أسرار نجم رياضي أو ممثل أو مطربة، فهذا يدخل في دائرة حب البروز، أو دغدغة "شهوة" الانتصار على الآخر؛ ما يُظهر الجانب الخفي من شخصية المذيعة، والتي يجب أن تعرف أن دورها هو كشف الحقيقة أو تقديم معلومة جديدة للمتلقي، دون الحاجة لاستخدام أدوات الضغط أو رفع ( تون) الحوار أو استخدام تعابير الوجه والجسد لرفض أو تحقير رأي الضيف.لقد تحدثنا في سابق مقال عن التمحور حول الذات (Echoism) والذي أصاب العديد من مذيعي ومذيعات الفضائيات، وكيف أن بعضهم أصبح ( يمشي على الأرض مرحاً ) ولا يرد سلام الآخرين، أو أنه يتجاهل زملاء لهم أو مبدعين في مجالات أخرى ويريدون - من هم أخبر منهم وأكبر منهم - أن يأتوا للسلام عليهم ولربما أخذ توقيعاتهم!.إن كاشف الحقيقة – وهو المذيع أو المحرر – يتحوَّل في النهاية إلى مصلح اجتماعي عبر وظيفته، وإذا كان سلوك بعض هؤلاء مخالف لطبيعة الإنسانية السوية أو العلاقات بين البشر، فكيف يمكنهم ذلك من الإصلاح الاجتماعي؟ ونحن نشاهد على الشاشات من يتحدث ولكأنه حاكم دولة، ويستخدم المنبر – الذي لا يملكه- استخداماً غير إعلامي وغير إنساني !! ولا أحد يردعه ؟. فيقوم بتحقير الضيف و" الاستئساد"عليه، ولكأن الضيف في قاعة محكمة، وقد يكون هذا الضيف أكثر أهمية وموقعاً في بلده من المذيع الذي خدمته الأقدار – في مضارب النفط – وأصبح نجماً، لا يسافر إلا على الدرجة الأولى ولا يلتفت إلى الناس في المطار، بل إن تعابير وجهه تنم عن احتقاره للآخرين، كونه يعيش "زهو" الشهرة ووفرة المال الذي يحصل عليه من المحطة، وإن لم يكن شيئاً في الماضي! إنها الصدفة والمناخ غير الطبيعي الذي أوجد أمثال هؤلاء في السماء العربية. إن المتعامل عبر الشاشة مع الناس يجب أن يقدِّر البشر داخل وخارج الشاشة، لأنه بذلك التعامل – هو ضيف البيوت – يخلق تواصلاً إيجابياً يؤثر على مدى المشاهدة، وعلى نجاح القناة. كم من المذيعين المتمحورين حول ذواتهم يجبروننا على تغير مؤشر القنوات، عندما نراهم "يمثلون" ويحتقرون ضيوفهم، وكذلك نلاحظ "زهو" الانتصار على وجوههم، ولكأنهم حققوا نصراً سياسياً في محفل دولي، أو نصراً عسكرياً في معركة.وينسى أمثال هؤلاء هدف عملهم الرئيسي وهو تقديم المعلومة دون تدخل، وليس الترويج لمذهب سياسي أو حزب عقائدي، ويقومون بحقن أفكارهم في الحوار، ولكأنهم ناطقون رسميون لهذا المذهب أو ذاك الحزب.جميل أن يتحلى من يظهر على الشاشة ويدخل بيوت الناس بالخلق القويم، والوجه البشوش والنبرة الإعلامية الهادئة، ويبتعد عن الإثارة المجنونة، وإظهار نهم الانتقام أو تحقير الناس دون مبرر، سوى رغبات خاصة لا يقرها العُرف الإعلامي ولا الأخلاق الإنسانية.