07 نوفمبر 2025
تسجيلنشر في هذا المكان في شهر مارس الماضي مقال لي بنفس هذا العنوان، وداخلني إحساس بعد إعلان نتائج الاستفتاء على الدستور، أن لا أحد ينظر خارج ذاته، من ساسة وأحزاب وجماعات، جميعهم تجاوزوا لحظة تاريخية تمثل نقطة انقلاب في حياة الأمم والشعوب، وتستدعي أعظم ما في مخزونها الإنساني والفكري، وأن العديد ممن يعملون بالعمل العام، نسوا أن صانعيها لم يكونوا هم، ولكنهم حولوا نتائجها لصالح رؤى قاصرة لم ترق إلى مستوى وقائع تلك الفترة. تصوروا خطأً أن ما حدث يمكن الانقلاب عليه، فانقلبوا، وتصوروا خطأً أنهم البديل، فاستأثروا، ولكن صراخهم أن هناك أزمة اقتصادية، وأن الصراع السياسي الاجتماعي في مصر وهو ما فجر الثورة الشعبية، هو صراع بين الكفر والإيمان، هذا الصراخ ومحاولة تثمين الذوات الشخصية أو التنظيمية هي دلالة انفصالهم عن الثورة وعن الشعب وقودها الأساسي. في مارس الماضي كتبت، "جمعتني حوارات مع عناصر من الشباب تكررت منفصلة، غير أن المشتركات في الرؤية كانت تفصح عن أن هذا الجيل يملك وعيه الخاص ويقينه الذاتي بمصر والشعب والثورة ومعنى الشهادة وأن حق الشهداء هو تحقيق ما أرادوه، وتمثل ذلك فيما يلي : 1) أنهم يملكون تحليلا لتحالف القوى المضادة للثورة مع بعض الملاحظات حول الأدوار 2) أن زمن القائد الفرد والزعيم انتهى والآن زمن العمل المؤسسي 3) أن الثورة انتقلت من وقائع تجري على الأرض إلى يقين إرادي داخل الشباب وهو تأكيد على استمرارها 4) أن انتقال الثورة إلى يقين الشباب لا يعني الغياب عن الاحتشاد بل إن الحفاظ على الاحتشاد الواعي ضرورة لاستمرار الثورة وغاياتها 5) أن تنظيم جهد الشباب في بناء مؤسسي هو هدف المرحلة، للوصول بعد أربع سنوات إلى القدرة على التأثير على صندوق الانتخاب 6) أن القبول بالشهادة ليس ادعاء ولكنه عقيدة تجمعهم 7) أن الديمقراطية ليست مجرد صندوق، ولكن يجب توفير الخبز والوعي أولا للشعب 8) أن السعي لتحقيق هدف التغيير قد بدأ ولن يتوقف إلا بتحقيق العدالة الاجتماعية 9) أن انتخابات الرئاسية القادمة أمر لا يجب تركه للصدفة، بل يجب التأثير إيجابيا بها وبمواقف محددة وتحمل مسئولياتها هذه خلاصات لما تكرر في الأحاديث مع الشباب، ومن علاقات مختلفة ودون لقاء بينهم، الأمر الذي يبعث على الثقة بهذا الجيل ومنهج تفكيره". وكان الاستطراد حديثا عن متوالية وضع الدستور التوافقي بكل طوائف الشعب، وهو الأمر الذي لم يتحقق. حالة من غيوم ملبدة وسكون مريب لا يتوافق مع ما جرى، ويسبق الذكرى الثانية للثورة بثلاثين يوما، هل هو إحباط؟ هل هو سكون يسبق العاصفة؟ هل هو حالة من التدقيق لاستيعاب الموقف؟ أم هي حالة انتظار لمفاجأة جديدة ضمن مسلسل مفاجآت الثورة المصرية؟. تاريخ الأمم لا يصنع بالصدفة، والمفاجآت ليست سنة الحياة ولا هي سلوك الشعوب. يتقلص المشهد ليعود ثانية إلى سلطة وشعب، ولكن السلطة التي تحكم تبدو أنها سلطة خارج حركة التطور، إنها سلطة بقايا النظام السابق حتى وإن كانت لجماعة لم تتول مقاليد الأمور من قبل، ولكن مبرر فناء هذه السلطة في ذاتها هي، فهي لا تحمل علامات المستقبل، ولكنها تحمل أسباب الانتقام من الماضي، ويواجهها رفض الوعي الشعبي الذي مازال صندوق التصويت عاجزا عن التعبير عنه. والشعب أو الثورة، خندفهما غير محدد الملامح، فمازالت حركة الشباب تتم بعيدة عن القوى الاجتماعية والطلاب، ومازالت عملية الإدارة لهذه الحركة دون مستوى المهام. ورغم دخول عناصر جديدة للمواجهة بعد الإعلان الدستوري الأخير، كالقضاة، وجبهة الإنقاذ، وأحزاب وشخصيات ومقالات وفضائيات، واستتابة ممن جنحوا للتعاون مع سلطة الحكم الحالية، غير أن تراوح المواقف لا يشير أن أيا من هؤلاء مرشح لاختيارات المرحلة القادمة. والسؤال الآن، هل هناك إبداع لدى كل هؤلاء، أم أنهم سيستمرون في الرقص على دقات طبول السلطة والجماعة؟ هل سيقبلون بالدخول إلى لعبة الانتخابات؟ وهل بعد كل الملاحظات على الدستور ومنهج صناعته سيسلمون به؟. لحظات الانقلاب في حياة الأمم لا تأتي عبر المسارات التقليدية، ولكنها تحتاج لطليعة تقرأ قوى المجتمع، وتنجح في حشدها، وتحدد هدفها بوضوح، وتتحمل مسؤولية المهام المترتبة على هذا الهدف. انتخابات مجلس الشعب ستزيد من تكريس نظام الانقلاب على الثورة، فهل يملكون شيئا غير هذا؟.