06 نوفمبر 2025
تسجيلصفقة الأسرى الفلسطينيين التي حررت بموجبها حركة حماس ما يزيد على ألف أسير وأسيرة من جميع الفصائل هي صفقة كلها خير والمفترض أن تكون فتحت صفحة جديدة من الثقة والتفاهم والتعاون الوطني بين الفلسطينيين عموما والحركتين الكبريين حماس وفتح خصوصا ، وقد تفاءل الجميع بتشابك يدي السيد محمود عباس بأيدي عزيز الدويك وحسن يوسف من قادة حماس يوم استقبال الأسرى المحررين في رام الله كإعلان عن قبول رسالة الوحدة الوطنية التي سطرتها حماس بهذه الصفقة .. لقد كانت حماس ذكية وخلوقة وشديدة التواضع عندما ضمنت انتصاراتها من الصفقة انتصارا إضافيا على الذات وانتصارا إضافيا على الانقسام الذي له ما يبرره واقعيا من أسباب لم تتم معالجتها حتى الآن .. تعالت حماس على جراحها وعلى مصالحها فلم تفرق بين أسراها وأسرى فتح أو الشعبية أو الديموقراطية .. وإن كان عدد المحررين من حماس أعلى من محرري غيرها فلأن أسراها أكثر ولأنها ركزت على المحكوميات العالية التي لها فيها حظا وافرا .. لقد أحسنت حماس ؛ فهل أحسنت فتح في تقبل الرسالة والتعاطي مع معناها وإشاراتها ؟ وإذا كانت حماس قد عززت بهذه الصفقة إمكانية تحقيق جدي وصادق للمصالحة التي صارت كل الظروف مناسبة لها ودافعة باتجاهها فهل تسعى فتح للتلاقي على ذلك وبالأخص بعد أن أصبحت عملية التسوية لا أمل في إحيائها ولا جدوى من إطلاقها .. هذه الرسالة التصالحية التي صدرتها حماس والتي كان من المفترض أن تتلقاها فتح بالقبول وأن تتلقفها بالشكر وأن تردها بالجميل .. سرعان ما ضاعت وتاهت عندما انطلق متحدثو فتح الرسميون وإعلامها الرسمي بذم الصفقة واتهامها بالنقص وتشويهها بالافتراءات .. وأكثر من ذلك قامت أجهزتها - بحسب النائب في المجلس التشريعي فتحي القرعاوي - باستدعاء بعض الأسرى المحررين إلى مقارّ تلك الأجهزة " لشرب فنجان قهوة " وأجبرت ذوي الأسيرة المحررة في صفقة التبادل " قاهرة السعدي " من حركة الجهاد الإسلامي بإنزال رايات التوحيد التي كتبت عليها عبارة " لا إله إلا الله " .. وفيما يبدو تصعيدا متسقا مع الاحتلال قامت باعتقال ثمانية من أنصار حماس يوم الاثنين الماضي 24 / 10 وباعتقال القيادي في حماس وعضو مجلس بلدي مدينة قلقيلية المنتخب والمحاضر في الكلية الشرعية الإسلامية بالمدينة " سامح محمود عفانة " .. هذا كله يحدث في أقل من أسبوع واحد بعد تحرير الأسرى .. ذلك يذكرنا بما فعلته يوم توقيع اتفاق المصالحة في 4 / 5 / 2011 مع حماس وإذ كان الشعب الفلسطيني فرحا ومستبشرا بما تم ، إذا بها تصر على اعتقال أنصار حماس وتترك كل المبشرات والمسرات لتستمر في تصفير وتسويد صحفها ومواقعها الإلكترونية بشتم حماس والتشكيك بصدقيتها وتنقل عن الصحف " الإسرائيلية " اتهامات وافتراءات على قادتها ورموزها .. وأقول : أتمنى أن تكون هذه التصرفات نشازا عن القاعدة المعتمدة لدى فتح مع أن المتحدثين بها رسميون ، وأتمنى أن تتمكن فتح من تطوير خطاب وطني يناسب مقتضى أدب المصالحة ومبادرات استعادة الثقة التي تتقدم بها حماس ، وأتمنى أن تكون المصالحة التي تريدها فتح مصالحة تكامل ترتقي إلى برنامج مشترك يأخذ بنظر الاعتبار الحاجة للمناورة السياسية التي تجيدها فتح بقدر ما يؤكد الثوابت التي تحميها حماس ؛ برنامج مشترك ينبني على المقاومة وأسر الجنود وتحرير الأسرى والصمود في وجه العدو وردعه الذي أثبتت وجودها وإبداعها فيه حماس بقدر ما يستفيد من الديبلوماسية الرسمية والعلاقات الدولية التي تملكها فتح .. لا أن تكون مصالحة الاستراق والتوريط ولا مصالحة المناورات السياسية ولا مصالحة المغالبة الجافة من الوداد والجامدة عن التفاهم والتي ما إن تنهض حتى تقعد وما إن تنطلق حتى تحور على كور وتعود على نقض .. قادة حماس كثيرا ما أكدوا في تصريحاتهم الرسمية وغير الرسمية أنهم توصلوا إلى مصالحة لن تكون على حساب المقاومة ، وأنهم سينفذون ما يخصهم منها بكل جدية وإخلاص .. وأنهم يعتقدون أن الطرف المقابل لم يعد معنيا بإبقاء الانقسام .. إلى آخر ذلك من الطموحات التي تعتمد أساسا على حسن الظن .. إلا أن ما نراه اليوم يجعل من المنطقي التساؤل : إذا كانت هذه هي فتح والسلطة في أحسن الأحوال وعند المجاملات ؛ فهل هي بالفعل راغبة في إتمام المصالحة ؟ وإذا كانت راغبة فيها فما نوعية وصورة ومحددات هذه المصالحة ؟ وإذا كانت مفاعيل المصالحة لم تصل إلى الضفة ومعتقلي حماس وملفات التنسيق الأمني فيها فأي مصالحة هذه التي يحسنون بها الظن ؟ ولنسأل بصراحة هل المقصود أن تعود غزة لبيت طاعة فتح ولا شيء سوى ذلك ؟ وعند ذلك سنسأل : إذا كانت عودة غزة لفتح هي المقصود الأول والأخير فهل ستكون تحت " بساطير " جنود الاحتلال كما الضفة ؟ ثم ما مصير عشرات الآلاف من المجاهدين الذين انكشفت أسماؤهم وهوياتهم ؟ وما مصير القادة ؛ هل سيقتلون أم يطاردون أم يستسلمون ويستقيلون من الواجب ومن الوطن ؟ أم أن أحدا ما سيتوسط لهم عند الاحتلال لعله يحصل لهم على اتفاق " كف طلب " أو " بيعة نساء " ليأكلوا ويشربوا ويناموا ويتنقلوا ببطاقات ال( في آي بي ) ؟ وإذا كانت حماس بعد سيطرتها على غزة وأسرها الجندي قد حررت به مئات أسرى المؤبدات وبيضت السجون من النساء والأطفال ووحدت بشكل عملي كل الوطن من الضفة لغزة ومن ال 48 إلى الجولان ومن فتح لحماس ومنهما إلى الجهاد والشعبية .. إذا كانت حماس قد حققت كل هذا بأسر جندي واحد استطاعت أسره أولا ثم الاحتفاظ به ل1940 يوما ثانيا والمفاوضة عليه خمس سنوات ثالثا ، واستطاعت رد العدو وإفشاله وردعه في حرب كسر العظم على غزة .. أقول : إذا كانت حماس استطاعت كل ذلك من خلال سيطرتها على غزة فهل عليها أن تسلمها للسيد عباس – مع كل الاحترام له ومع كل الرفض لمنهجه وبرنامجه – ليقوم بإعادة التائهين من جنود العدو بعد أن يقدم لهم واجب الضيافة العربية في مقرات الحماية الأمنية والتنسيق الأمني كما تفعل في الضفة ؟ فما الذي يجعل أحدا يظن أن حماس ستقبل بذلك ؟ إن الذين استطاعوا أن يهينوا الجيش الذي كان يقال إنه لا يقهر ويتركوا لواء جفعاتي وراءهم يبكي كما تبكي النساء ليستحقون مصالحة لا تهينهم ولا تمرغ كرامتهم تحت أقدام ذات الجيش ! وإن الذين استطاعوا أن يقهروا أجهزة أمن العدو وأن يحتفظوا رغما عنها بالجندي الأسير كل هذا الوقت لا يجوز أن يصبحوا ألعوبة بيد التعاون الأمني مع تلك الأجهزة .. وإن الذين استطاعوا أن يركعوا نتنياهو على ركبتيه يستجدي صفقتهم لحري أن لا يجثوا هم لنتنياهو على ركبهم وأن لا يستجدوا حمايته .. وبصراحة أكثر إن الزمان قد تغير كثيرا منذ خمس أو ست سنوات ، وتغير كثيرا بعد سقوط حسني مبارك وهبوب " ثورات الربيع العربي " وبعد موت وتشييع عملية التسوية البائسة .. وبعد مستجدات تحرير غزة ، وبعد صفقة تحرير الأسرى وخروج المئات من القائدة والرواد بموجبها .. وإن الشعب الفلسطيني لم يعد يريد غزة لغزة فقط ولم يعد في وارد أن يفرط بالمقاومة ولا بقادتها ولا بجيشها الذي تتعزز الحاجة إليه اليوم وكل يوم .. فإن كانت فتح مستعدة وكانت فوق ذلك قادرة على المجيء لغزة بكل ما تعنيه غزة من ذات ومن مقاومة ومن مكتسبات ومن سلاح .. فألف أهلا وألف سهلا بها ولتأت منذ الغد ولها أن تقود الدفة إن شاءت والظن أن كل قوى المقاومة ستقبل بها من حماس إلى أصغر فصيل وستكون تحت تصرفها وتحت طلبها في ذلك ، أما إن كانت ستأتي لتقيم السجون والمعتقلات ولتنزل أعلام المقاومة ولتمنع رايات " لا إله إلا الله " ولكي تعتقل الشرفاء وتستدعي المحررين لفنجان القهوة – إياه - ثم ليأتي معها ضابط احتلالي صهيوني برتبة عقيد ليحكم غزة وليصول ويجول فيها كما يشاء وقتما يشاء وحيثما يشاء وليعلق هنية والزهار وغيرهما من القيادات في " الشبح " , فلا أهلا ولا سهلا وليقل بعد ذلك من شاء ما يشاء .. آخر القول: عندما تتواصل اعتداءات فتح على حماس في كل الوقت ولا تفرق بين إقبال وإدبار ولا بين مسرة ومضرة ، وعندما يأتي ذلك من قيادات رسمية ومن متحدثين رسميين ، وعندما يأتي رد حركة فتح على مبادرة حماس كما رأينا تزهيدا فيها وتقليلا من قيمتها وإشاعة افتراءات عليها , فإن من حق حماس وشعبها أن يضعوا علامات استفهام على كل المصالحة وعلى كل العناوين التفصيلية تحت هذا العنوان الكبير ..