07 نوفمبر 2025
تسجيلالمدينة المنورة مكان طيب، يضم ترابها خير البشر قاطبة، محمدًا صلى الله عليه وسلم، ومن ربوعها انطلقت شعلة الهداية ومبدأ الأخلاق الحقيقية، كل زاوية في هذه المدينة تحكي تاريخًا مجيدًا، وفي سمائها كان يحلق جبريل حاملا الوحي وكلام الله لينزله على النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم. ومناسبة الحديث هي صدور تصنيف للمدينة المنورة في المركز الأول عالميًا من بين أكثر المُدن أمانًا لسفر النساء بمفردهن. لا يختلف اثنان على أن اختيار المدينة أكثر المُدن أمانًا مناسب جدا، وقد لمست بنفسي تلك الهالة من الطمأنينة والسلام التي تدثر هذه البقعة، وذلك خلال رحلة أتاحتها لنا رابطة العالم الإسلامي إلى المدينة عام 2019م. كنت أقرأ في تاريخ هذه المدينة العريقة الطيبة، فوجدت أن القراءة نفسها في هذا التاريخ سياحة رائعة، فكيف يكون حين يتجسد هذا التاريخ واقعًا أمامك. إنها لحظة ينتظرها كل من يعشق السفر والترحال والبحث والتاريخ والأدب، اختيار جاء في محله، فمن منا لا يتمنى أن يعيش تاريخنا الإسلامي واقعا يدخل في حيثياته وبين أوراقه وخلال أحداثه، قصة جميلة لا تتكرر في أي مكان. أحسست حقًا بشعور السكون والأمان بهذه الأرض النقية على عكس تجربتي المريرة في باناراس بولاية أترابراديش الهندية، حيث إنها مشهورة إما بالقتل أو الاعتداءات على الزوار والسياح الذين يرتادونها من بلاد أخرى، ولذلك أحيانًا يخافون الخروج من الفندق حتى لتجوال أو استنشاق هواء. كنت في المدينة المنورة متفرغًا من القلق على سلامتي الشخصية، فانغمست بكلياتي في تأمل مسار تاريخ غيّر مجرى التاريخ. وصلنا جبل أحد حيث المعركة التاريخية التي لقي فيها نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم- شدة وتعبًا وجُرح فيها وكسرت رباعيته الشريفة. الوقوف في المكان والإحساس بالمكان ليس كالقراءة عنه، هذا المكان كان على مفرق التاريخ فلو كانت الأحداث على غير ما كانت لكان الحال الآن مختلفًا. وقفت في المكان حينذاك براحة وأمان، وفيه سوق عامرة وسياح من كل مكان، والمدينة المنورة رحلة في قلب تاريخ عريق، تحتوي على أكثر من مائتي موقع تاريخي يجعل من زيارتها رحلة ليس لها مثيل. من داخل المسجد النبوي الشريف وأروقته وساحاته رأيت الوجوه المستنيرة مشرئبة، تنظر وتتأمل هذا المكان الطاهر واكتمال بنيانه بتوسعته الكبرى وتصاميمه الإسلامية وأروقته المنمقة وفق أسلوب معماري إسلامي فريد قل وجوده في هذا العصر. وترى وأنت داخل المسجد الذي اكتنز بخبرات طويلة من السنين لاستقبال المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها من حجاج وعمار وزوار وتمكينهم من أداء الصلوات والعبادات والزيارة في أجواء مفعمة بالروحانية والأمن والدعاء المتواصل كما يأملون أنفسهم بالعودة إلى هذا المكان الطاهر. "طيبة الطيبة" التي تعلقت القلوب بحبها واستنشقت الروح عبق هوائها وبها الراحة والطمأنينة، إليها يأرز الإيمان وجُعل حبها من الإيمان. أول ما يلفت نظر الحاج والزائر لطيبة الطيبة، هذا الزخم الكبير من التراث الإسلامي المجيد والمصحوب بالبشاشة والعناية التي يلقاها الحاج أو المعتمر منذ وصوله بدءًا من منفذ الوصول وحتى المغادرة. في المدينة شعرت بالجمال الذي يمنح الإنسان الشعور بالسعادة لمجرد وجوده في المكان كما لو أنّ جميع الهموم والأحزان تلاشت، ولم يبقَ إلا الشعور الكبير بالإيمان، شعرت بأنّ زيارتي للمدينة المنورة البلسم الشافي الذي مسح على قلبي وأعطاه الخير الكثير، وشعرت وكأن روحي تغسّلت ممّا هو عالقٌ فيها، فيا له من شعور عظيم لا يوصف، ويا لها من لحظات غالية جدًا على القلب.