08 نوفمبر 2025

تسجيل

قمة التوجس والحذر

27 يونيو 2018

بعد تاريخ حافل بالعداء بين (واشنطن ) و (بيونغ يانغ) امتد لأكثر من سبعين عامُا، عقد الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) والرئيس الكوري الشمالي ( كيم جونغ أون) قمة تاريخية بين البلدين في سنغافورة يوم 12/6/2018. ولقد تبلورت عدة أفكار ومخاوف من أن حربًا كونية كادت أن تنطلق من كوريا الشمالية، التي طالما استعرض رئيسها ( أون) القوة في إطلاق الصواريخ العابرة للقارات ، ما شكّل تهديدًا مباشرًا للأمن والسلم الدوليين، ووَتّر العلاقات مع جيران كوريا الشمالية. وكان صقور البيت الأبيض قد ردَّدوا أن كوريا الشمالية يجب أن تسقط – كما هو سقوط النظام في ليبيا- بشرط أن يتم القضاء على كل السلاح النووي، إلا أن نتائج مباحثات (ترامب) و(أون) أبعَدَ هذه الرؤية ، حيث أعلن (ترامب) إثر توقيعه وثيقة مشتركة مع (أون) ، أنه " بنى علاقات خاصة جدُا مع (أون) ، وذهب إلى أبعد من ذلك عندما أعلن " ما حصل كان أمرًا خياليًا، ونحن فخورون بما تحقق ، وعلاقتنا مع كل شبه الجزيرة الكورية ستتغيير جذريًا" ، كما اعتبر لقاءهُ مع (أون) بأنه " فاقَ الآمال والتوقعات".  ولقد رأى الرئيس الكوري الشمالي (أون) أن " عهدًا جديدًا يبدأ بعد الاجتماع التاريخي ، والعالم سيشهد تغييرًا كبيرًا. محللون ربطوا بين نص الاتفاق الذي تم التوصل إليه ، خصوصًا الفقرة المتعلقة بـ "نزع السلاح النووي بالكامل من شبه الجزيرة الكورية "، استنادًا لإعلان (بانمونجوم) الذي صدر في 27/4/2018، والذي يقضي بأن تلتزم كوريا الشمالية بالعمل من أجل نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، وبين " تجاهل" الرئيس الكوري الشمالي الإجابة عن سؤال لمراسلي البيت الأبيضن عندما سُئِلَ ثلاث مرات فيما إذا كانت كوريا الشمالية على استعداد للتخلي عن الصواريخ النووية!؟ كما لاحظ مراقبون أن الوثيقة المشتركة لم تنص على أهمية وجود عمليات تفتيش عن السلاح النووي في كوريا الشمالية؛ رغم إشارة الرئيس الأمريكي (ترامب) إلى أن (أون) " تعهّد بالعمل على التخلص من الأسلحة النووية في القريب العاجل". كما يرى مراقبون أن تأكيد (ترامب) استمرار فرض العقوبات على كوريا الشمالية، يبعث على القلق ، ولربما " يُجهض" الخطوات التي اعتُبرت " تاريخية" بين البلدين، بعد قطيعة دامت أكثر من سبعين عامًا. وكانت القمة الأمريكية الكورية الشمالية قد تعرّضت لهزات مخيفة بعد إعلان (ترامب) إلغاء تلك القمة – في مايو الماضي – على خلفية ما اعتبره الغضب الهائل والعدائية الصريحة التي ظهرت في تصريحات الرئيس الكوري الشمالية، في الوقت الذي حذّر (ترامب) كوريا الشمالية من أية خطوة " طائشة" أو "متهورة" ، مُلوّحًا بأن الجيش الأمريكي على أتم الاستعداد ، إذا ما أقدمَ زعيم كوريا الشمالية على أي تصرّف "أحمق". كما قام الرئيس الأمريكي (ترامب) بالزجّ باسم اليابان كإحدى الدول المتحفّزة لوقف برنامج كوريا الشمالية النووي، وذلك عندما أعلنَ أن كوريا الجنوبية واليابان على استعداد للردّ إلى جانب الولايات المتحدة، على أية خطوة "طائشة" أو "متهورة" من جانب كوريا الشمالية. حالات المدّ والجزر في علاقات البلدين (الولايات المتحدة) و(كوريا الشمالية) ظهرت في أكثر من مناسبة، حيث برز "امتعاض" كوري شمالي من علاقات كوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة . ولقد حاول الرئيس (ترامب) " إغراء" كوريا الشمالية بالمشاريع الاستثمارية ، وذلك عندما طرح تسجيلًا مصوّرًا لمبانِ شاهقة، وقطارات ، وأضواء مبهرة ، مشيرًا إلى أن ذلك ما ستكون عليه كوريا الشمالية .  لكن محللين يرون أن ذلك يأتي ضمن سياسية (العصا والجزرة) التي ينظر إليها الرئيس الكوري الشمالي بحذر شديد، خصوصًا وأن تاريخ هذا البلد غير مشجّع للاستثمارات الأجنبية، نظرًا لعدم رسوخ القوانين المنظمة للاستثمار، وذلك وجود حالات فساد تعشش في دوائر القرار، وعدم تسديد الحكومة لفواتير المستثمرين في أوقاتها. كما أن القبضة الحديدية للرئيس (أون) تجعل مستقبل المستثمرين في خطر من إمكانية مصادرة ممتلكاتهم بجرّة قلم. وهذا ما يؤكده حظر مجلس الأمن المشاريع المشتركة ، وصعوبة التعامل المالي مع (بيونغ يأنغ)، إضافة لذلك فإن ضعف البنى التحتية في هذا البلد يجعل مناخ الاستثمار فيه على محكٍ مؤلم. وكبادرة رآها البعض – مجسَّ اختبار – أعلن الرئيس الأمريكي وقف التدريبات العسكرية الأمريكية مع كوريا الجنوبية، لتشجيع الشطر الشمالي الالتزام بنزع سلاحه النووي. السؤال الأهم هنا : هل سيفي الرئيس الكوري الشمالي بتعهُده بنزع أسلحته النووية؟ وهل يعني التوصل إلى اتفاق مشترك مع الولايات المتحدة، دخولَ كوريا الشمالية (نادي الحضارة)، وأن هنالك اجراءات قادمة تُخرج هذا البلد من غياهب الديكتاتورية والتخلف الاقتصادي والاجتماعي ، "نهم" عبادة السلاح النووي؟ ومن المقرر أن يتابع الطرفان مفاوضات مباشرة  تجمع وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) مع مسؤول كوري شمالي رفيع المستوى.ن وكان وزير الخارجية الأمريكي قد أعلن في بيان له أن " المحادثات بين الطرفين قد تحرّكت بسرعة أكثر مما كان مُتوقعًا".. في حين كانت ردود الأفعال والتعليقات الكورية الشمالية مقتضبة وشحيحة. التعليق الأبرز الذي ظهر عشية توقيع الاتفاق بين الرئيس الأمريكي والرئيس الكوري الشمالي جاء من روسيا! فقد أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ( سيرغي ريابوكوف) أن " الشيطان يكمن في التفاصيل"، في تعليقه على التوصل للاتفاق المذكور، ما أعتبره العديد من المحللين " تشكيكًا" فيما تم التوصل إليه. في حين رحبّت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في سنغافورة، وقال المدير العام للوكالة     ( يوكيا أمانو) "إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية على استعداد للقيام بأية أنشطة تحقق - في كوريا - الديموقراطية ، بناءً على إذن من مجلس محافظي الوكالة".   في حين بدت إيرانُ أكثر تشاؤمًا من التوصل إلى الاتفاق المذكور، عندما أعلن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية ( محمد باقر نوباخت) أن " على الزعيم الكوري الشمالي ( كيم جونغ أون) أن يضع في اعتباره أن (ترامب) قد يسحب توقيعه من الصفقات التي يبرمها".. مضيفًا " نحن نواجهُ رَجلًا يلغي توقيعه في الخارج"، وتلك إشارة إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، الذي تم توقيعه عام 2015، وأعادَ فرض العقوبات الاقتصادية على "طهران". يرى المتفائلون من الاتفاق أن تحريك المياه الراكدة، والتي استمرت لأكثر من سبعين عامًا ، والنص – في الاتفاق – على نزع السلاح النووي بالكامل من شبه الجزيرة الكورية، من شأنه المساهمة في " تليين" التعنت الكوري الشمالي، ولربما تخفيف حدة التوتر بين ( بيونغ يانغ) وجيرانها، خصوصًا كوريا الجنوبية ، والتي جمعت قمةٌ سابقة – في أبريل الماضي – رئيسي البلدين في قربة ( بان مون جوم) على الحدود بين البلدين.  وكذلك لا تُخفي اليابان امتعاضها من نشاطات كوريا الشمالية النووية، وتعتبرها تعرّض الأمن والسلم الدوليين للخطر. ولقد رحبّت دولة قطر باللقاء الذي جمع رئيس الولايات المتحدة والرئيس الكوري الشمالي، معتبرة أن اللقاء " سابقة تاريخية مُبشرة بإمكانية املضي قُدمًا في التخفيف من حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية" وجاء في بيان لوزارة الخارجية " أن الوصول إلى حل شامل ومرضٍ لجميع الأطراف، ومن خلال الحوار والطرق السلمية، سيُنهي عقودًا من الصراع الذي دفع ثمنه مواطنو الكوريتين"؟. الأيام مازالت حبلى بالمفاجآت، وقد لا نستغرب أية تطورات تخالف الاتفاق المذكور.