08 نوفمبر 2025
تسجيلمن محطة سياسية إلى أخرى تتعزز مكانة دولة قطر على الساحة الدولية ويزيد اعتراف العالم بقطر كشريك رائد في رسم ملامح المستقبل الإنساني الذي يضمن الحياة الكريمة الآمنة لكل البشر وأعتقد أن ما جاء في تحليل أحد كتاب (ستراتيجيك ألرت) صحيح وأمين حين قال "إن أول رسالة أبلغها صاحب السمو أمير قطر في منتدى دافوس هي إحياء الأمل في القلوب برغم أننا نعيش في عالم يبدو قاتم الآفاق مسدود المصير بسبب الظلم المستشري وتلويث البيئة المستمر وتفاقم العنف والإرهاب وتغول بعض الأنظمة الخارجة عن القانون الدولي بلا حساب أو عقاب فجاء خطاب الأمير باعثا للأمل"، هكذا لخص إعلامي أمريكي أهم رسالة أراد أمير الدولة إبلاغها في منتدى عالمي يحمل شعار (التاريخ في نقطة تحول) ولو تأملنا عمق المعاني الواردة في الخطاب لأدركنا أن تفكيك حضرة صاحب السمو لأسباب الظلم وتشخيصه لجذور العنف والحروب يحمل من الأمير مقترحات علاج هذه الشرور وسبل الوقاية منها أولا بإعادة النظر في التربية والتعليم لجعله - كما هو في قطر - مختبر الأخلاق واحترام المختلف وإشاعة التسامح، ثم إن دور قطر تجاوز حدود قطر فانخرطت الدولة في مشروع إنساني بدأ يمدرس ملايين أطفال العالم من كل الجنسيات والأديان المحرومين من التعليم، لأن التعليم كما قال سموه في خطابه هو الواقي من العنف والتهميش والضامن للشباب شغلا ومورد رزق. ثم إن رسالة الأمير الثانية للعالم هي انطلاق سموه من إدانة جريمة اغتيال الإعلامية الفلسطينية الأمريكية المسيحية شيرين أبوعاقلة وهي تغطي أحداث مظلمة تاريخية في جنين، جريمة لا بد من معاقبة مرتكبيها الذين تغولوا خارج القانون الدولي وفي مأمن من العقاب. ثم جاءت الرسالة الثالثة لتؤكد حرص دولة قطر على الإسهام في التوسط لحل أزمات إقليمية ودولية بالمفاوضات التي احتضنتها قطر وآخرها إنهاء حرب أفغانستان وقبلها السودان ولبنان وفلسطين وهو ما اعترف بأفضاله كل أطراف النزاعات حين جاءت الوساطة القطرية بدبلوماسية القيم والمبادئ فأطفأت كمّا كبيرا من الفتائل المشتعلة التي كانت مهددة بانفجار بؤر خطيرة كانت لا قدر الله ستتسع رقعتها وتتحول إلى حروب إقليمية أو حتى عالمية مدمرة. وفي هذا الصدد عرج صاحب السمو على الحرب بين روسيا وأوكرانيا فتقدم باقتراحات لإحلال السلام في القارة الأوروبية وكانت تلك هي من أهم غايات الجولة الأميرية لسموه بداية من سلوفينيا وإسبانيا وانتهاء ببريطانيا ثم سويسرا، حيث شارك سموه بذلك المخزون الدبلوماسي الثري في منتدى دافوس. ورسم صاحب السمو ملامح الأوضاع الدولية في مفتتح خطابه حين قال: "تعتبر الـدورة الــحــالــيــة لمــنــتــدى الاقــتــصــاد الــعــالمــي ذات أهـمـيـة اســتــثــنــائــيــة لأنــهــا تــعــقــد فـــي خــضــم تــحــديــات اقتصادية واضطرابات جيوسياسية. وقبل أن نأمل في الازدهـار الاقتصادي يجب علينا مراجعة وإصـلاح وتعزيز إطـار عملنا من أجل أولا الــســلام ونــحــن بـحـاجـة إلــى إرســـال رســالــة تعيد الطمأنينة للناس في جميع أنحاء العالم مفادها أنــه فـقـط مــن خــلال الــوحــدة يـمـكـنـنـا الـتـغـلـب على الـصـراع الــذي يقسمنا وأستطيع أن أقــول لكم إنه بعد سنوات من التمهيد للسلام من خلال الوساطة لم نفقد الأمـل ويجب ألا نتخلى عن مواصلة تحركنا طـالمـا أنـنـا نعتقد أن جهودنا يمكن أن تساعد ولو في إنقاذ حياة واحدة، لأن محاولاتنا للتوسط تستحق ذلك العناء. ويجب أن تستند جهودنا الموحدة إلى المبادئ المتفق عليها في ميثاق الأمـم المتحدة والقانون الدولي والاحترام المتبادل لسيادة بعضنا البعض. ولا بد أن نسجل أننا فــي الـعـقـود الأخــيــرة شـهـدنـا تـهـمـيـش دور الأمــم المتحدة وانتهاك سيادة حكم القانون في العلاقات الــدولــيــة وانــهــيــار الاحــتــرام الأســاســي لاسـتـقـلال بعضنا البعض. إن حل النزاعات من خلال العدوان آخذ في الازدياد، حيث وصل إلى واحـدة من أسـوأ ذرواتـه في الحرب الــدائــرة هـنـا فــي أوروبــــا. ونــحــن عـلـى اتــصــال مع جميع الأطراف المعنية بالأزمة الأوكرانية، وأنا على اسـتـعـداد للمساهمة فـي كـل جـهـد دولــي وإقليمي لإيــجــاد حــل سـلـمـي فـــوري لــلــصــراع بــين روســيــا الاتحادية وأوكرانيا. إن دولــة قـطـر تـرفـض بـحـزم الاعــتــداء عـلـى سـيـادة الــــدول كـمـا تــرفــض أي عـمـل مــن شــأنــه أن يشكل عدوانا على القانون الدولي. نحن نقف متضامنين مع ملايين اللاجئين الأبـريـاء الذين هم ضحايا الحرب الأوروبـيـة، كما نقف متضامنين مع ضحايا جميع الحروب الأخـرى الدائرة الآن ومع الضحايا من كل عرق وجنس وديـن، فـإنـي آمـل أن نولي نــفــس الــقــدر مــن الاهــتــمــام والــجــهــد لــحــل جـمـيـع الــنــزاعــات المـنـسـيـة أو المـهـمـلـة لأن الــنــاس جميعا يستحقون السلام والأمن والكرامة وفي هـذا الصدد فإن الأنموذج الأكثر وضوحا منذ إنشاء الأمم المتحدة هو الجرح المفتوح في احتلال فلسطين... التي ظلت جرحا نازفا إلى اليوم. لقد ظلت هذه العائلات ترزح تحت الاحتلال منذ عقود بينما لا يلوح أي حل في الأفـق. لقد استمر تصعيد العدوان الاستيطاني غير القانوني بـلا هــوادة ومـا زلـت أدعـو الـلـه أن يستيقظ الـعـالـم لـيـعـي المـظـالـم والـعـنـف فقبل أسبوعين تم قتل شيرين أبوعاقلة في فلسطين، وهـي صحفية فلسطينية أمـريـكـيـة مسيحية، وتـم حـرمـانـهـا مــن جـنــازة تـصـون كـرامـة المــوتــى، كـانـت شيرين تغطي مـعـانـاة الفلسطينيين لـعـقـود، ولقد تفطرت قلوبنا لمقتلها لأن مـقـتـلـهـا لا يـقـل فداحة عن الذين قتلوا في أوكرانيا في مـارس من هذه السنة أو الـذيـن قتلوا فـي فلسطين أي الثمانية عشر صحفيا فلسطينيا منذ عام 2000، وكذلك العدد الكبير من الصحفيين الآخرين الذين قتلوا وهم يؤدون مهامهم في العراق، وليبيا، وسوريا واليمن. في القرن الحادي والعشرين، لا ينبغي أن نتسامح مع هـذا الكم من الـعـدوان، كما يجب ألا نقبل العالم الـذي تطرح فيه الحكومات معايير مـزدوجـة حول قـيـمـة الإنــســان عـلـى أســـاس الانــتـمــاء الإقـلـيـمـي أو العرقي أو الديني، إننا نعتبر أن قيمة حياة كل فرد أوروبي غالية، ويجب أن يكون شأنها شأن حياة أي فرد في منطقتنا. الحضور الكرام، إن دولة قطر كدولة صغيرة، يشكل الـحـفـاظ على الـسـلام والأمــن الإقليميين والـدولـيـين أولـويـة خـاصـة بالنسبة لـهـا، ونـحـن نعمل بـلا كلل للمساعدة فـي إدارة وحـل وتخفيف الـنـزاعـات، بما في ذلك عملنا المستمر في أفغانستان. لقد تشرفنا بــالــقــدرة عــلــى المــســاعــدة فــي جــهــود فرض السلام. وكانت لندن المرحلة الأخيرة للجولة الأميرية الموفقة، حيث وقّعت كل من قطر وبريطانيا مذكرتي تفاهم لتعزيز التعاون في مجالي الاستثمار والطاقة. وبحث الجانبان عددا من القضايا المستجدة على الساحتين الإقليمية والدولية، كالأمن والطاقة وتطورات الأوضاع في أفغانستان، بالإضافة إلى سبل تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين. وخلال لقائه جونسون، عبَّر أمير قطر عن تطلعه إلى دفع العلاقات الإستراتيجية بين البلدين والشعبين إلى آفاق أرحب، وتحقيق ما يصبوان إليه من مصالح مشتركة. هذا جرد أمين لجولة أميرية إلى أوروبا وقد استجابت بمكاسبها العديدة إلى شعار منتدى دافوس فكانت على أرض الواقع موعدا لدولة قطر مع التاريخ.