15 نوفمبر 2025

تسجيل

هكذا الحق

27 مايو 2015

قلنا بالأمس إن الجميل في مشهد سحرة فرعون، مع ما كانوا عليه من طمع وغرور كبير وشعور بأمان زائف بسبب دورانهم في فلك فرعون، هو ذاك التحول السريع إلى الحق ما إن رأوه بأم أعينهم، دون خشية من الطاغية فرعون، تاركين كل ما كانت نفوسهم تتوق وتتطلع إليه من مباهج دنيوية قبيل لقائه، متطلعين إلى ما عند رب فرعون وموسى والناس أجمعين.. وقلنا بأن أمر ذاك التحول الدراماتيكي ربما يعتقده المتأمل فيه أنه سهل، وهو في الواقع، صعبٌ غير يسير إلا على من يسّره الله عليه.إن الفطرة السليمة، وإن تلوثت بعض الوقت بحب الزوائل الدنيوية، ما إن يظهر الحق أمام صاحبها، وهو مدرك تمام الإدراك أنه على باطل، وفي الوقت ذاته يأمل في جماليات الدنيا، فإنه غالباً يندفع بسبب هذا الظهور البيّن للحق إلى التوقف عن الباطل والتحول "التدريجي" نحو الحق، ولكن دون تعريض النفس لمخاطر ومشكلات، أو ما تمكن تسميته بالانسحاب التكتيكي وبأقل الخسائر، وهو ما عليه الكثيرون منا، وهذا أمر طيب محمود في نهاية الأمر.لكن مثال السحرة، والذي قلت عنه بالصعب يختلف. ذلك أن إظهار الحق في ميدان الباطل وأمام زعيم يحمي ويستند إلى الباطل ليس بالذي يقدر عليه أي أحد.. ولأنه صعب شديد على النفس، قال عنه النبي، صلى الله عليه وسلم: "إن من أعظم الجهاد: كلمة عدل عند سلطان جائر".. لماذا هو من أعظم الجهاد؟، لأن النتيجة غالباً مهلكة، والنفوس تُزهق بسببها.من هنا يتبين لنا في كل زمان ومكان، قلة المجاهرين بالحق أمام المجرمين والطغاة المتكبرين، وإن كانت لا تعني في الوقت نفسه، أن هناك قلة من المتمسكين بالحق والمحبين له وإن لم يظهروا للعلن، فالنفوس البشرية ليست متساوية في البأس والجرأة والشجاعة.. فهكذا هم البشر وكذلك هو الحق، الذي إن كنت معه لن تخسر، سواء أظهرته أم أخفيته ولو إلى حين.