06 نوفمبر 2025

تسجيل

الشعراء بعد الخمسين

27 مايو 2014

يعيد الشاعر اللبناني شوقي بزيع أسئلة الشعر الحائرة حول عمر الإبداع وآلته، في اللقاء الذي أجراه معه ملحق السفير الثقافي، هذا الأسبوع، ويكاد يتقاطع مع الناقد الجمالي هربرت ريد في تراجع الإبداع مع التقدم في العمر: "يسير الشعر عكسياً مع الرواية، فالأول يتطلب هيجاناً في العروق وغلياناً في الأوردة وصهيلا في الروح، في حين أن الرواية تحتمل بنسبة كبيرة على التذكر والاسترجاع والحياة المنطقية"، ويرى صاحب " قمصان يوسف" و" سراب المثنى" أن الكثير من الشعراء يخلدون إلى الصمت بعد الخمسين من أعمارهم والكثير الآخر يكررون ما سبق لهم أن قالوه، والقلة القليلة وحدها هي التي تنقلب على نفسها باستمرارـ والكلام لبزيع ـ الذي يرى الاستمرار في الكتابة :"ليس ضربا من ضروب المكابرة ولا هو غاية بذاته بقدر ما هو حاجة إلى الانقلاب على النفس وتأثيثها بما هو مغاير ومباغت".يهجس شوقي بزيع خطا الجمالي الإنجليزي هربرت ريد وهو يقف على ذبول شعرية مواطنه ووردز وورث فيعيد هذا الذبول إلى دورة الحياة التي تضع الشاعر بعد الأربعين في الحقل العقلي الأخلاقي، حيث تتراجع نزوات الشباب وطيشه، وكأن الأخطل الصغير مواطن بزيع أدرك هذا قبل نصف قرن:" أيومَ أصبحتُ لا شمسي ولا قمري* من ذا يغنّي على عودٍ بلا وترِ.. ما للقوافي إذا جاذبتها نفرت* رعت شبابي وخانتني على كبري" والأمر مختلف في مصر وسورية، حين ضاق النقاد الشباب ( العقاد والمازني) ذرعاً بهيمنة شوقي وحافظ فتصدوا لهما نقدياً، وفي سورية كتب بعض الشباب تسعينيات القرن الماضي يطالبون نزار قباني بما أسموه "التقاعد الأدبي".يقول بزيع إن الخوف من التكرار:"دفعني إلى الصمت خمس سنوات كاملة ما بين 85 ـ 90 من القرن الماضي، أي بعد أن شعرت بأنني أتحرك في أرض شبه محروثة، وبأنني أحتاج إلى فضاءات أخرى لقصيدتي تتجاوز موضوعات المقاومة والمرأة والحنين إلى مسقط الرأس"، مشيراً إلى قصائده القديمة الممزوجة بعنفوان اللغة وحرارة العاطفة مثل قصيدته كيف تصنع قطرتان من الندى امرأة، ومرثية كمال جنبلاط، ومرثية بلال فحص، فهو يرى أن :"الشعر لا يكمن في الاستسلام للغة وتركها لكي تجرفنا إلى حيثما تشاء، بل يكمن أحياناً في مقاومة إغواء اللغة ومنعها من التدفق العشوائي".وشوقي بزيع آخر نايات لبنان بحسب تقديري يلتفت إلى شغب مجايليه في قصيدة النثر، وكما جاء في اللقاء:" رأيت في «قصيدة النثر» اقتراحاً جديداً وشديد الأهمية على لغة الشعر لأنها بتخففها من المسبقات الوزنية وغيرها تستطيع أن تقارب الحياة في أكثر جحورها حميمية وألفة وسرية.. إنها تبحث عن الصورة الخالصة والمعنى الخالص لأنها محكومة بالكثافة والإيجاز وبالمباغتة الدائمة للقارئ وإلا سقطت في النثر العادي".