13 نوفمبر 2025

تسجيل

السعوديةُ: القوةُ الحقيقيةُ والقوةُ المفترَضةُ

27 مارس 2018

يخطئ كثيراً الذين يعتقدونَ أنَّ قوةَ السعوديةِ تكمنُ في نفطها، ويخطئونَ أكثرَ عندما يتوهمونَ أنها قوةٌ عسكريةٌ كبرى. فالقوةُ الحقيقيةُ للمملكةِ تتمثلُ في رمزيتها كبلدٍ يضمُّ المقدساتِ الإسلاميةَ، ويتخذُ سياساتٍ فيها التزامٌ بقضايا الأمتينِ العربيةِ والإسلاميةِ.  1) السعوديةُ كقوةٍ اقتصاديةٍ: وهو أمرٌ لا ينكره أحدٌ، ولكن هذه القوةَ ليست نتيجةً لاقتصادٍ تتعددُ فيه مصادرُ الدخلِ، ويستندُ إلى صناعةٍ ثقيلةٍ يمكن لها أنْ تنافسَ مثيلاتها في دولٍ كثيرةٍ، وإنما هو اقتصادُ المصدرِ الواحدِ، أي النفطُ. وهذه ليستْ مشكلةً لو تمَّ استثمارُ المواردِ النفطيةِ في إحداثِ نهضةٍ شاملةٍ يتمُّ من خلالها الانتقالُ بالمواطنِ إلى مستوى حياتيّ ومعيشيٍّ مقاربٍ لما يتمتعُ به المواطنونَ في دولٍ كقطرَ والكويتِ. إلا أنَّ القياداتِ السابقةَ  للمملكةِ، كما أقرَّ وليُّ العهدِ في لقاءاته بالإعلامِ الأمريكيِّ، كانتْ مخطئةً في دعمها للتطرفِ والتشددِ، في اعترافٍ صريحٍ منه بأنَّ جزءاً ضخماً من مداخيلها كانت تصبُّ  في دعمِ الحروبِ الأهليةِ، والجماعاتِ المتشددةِ في دولٍ كثيرةٍ، منها، على سبيلِ المثالِ، أفغانستانَ التي شهدتْ ولادةَ تنظيمِ القاعدةِ برعايةٍ سياسيةٍ وماليةٍ وإعلاميةٍ مباشرةٍ من المملكةِ. إذن، الحديثُ عن النفطِ كقوةٍ للسعوديةِ ليس سليماً، خاصةٍ أنَّ أزماتِ انخفاضِ أسعاره تمرُّ تباعاً بالدولِ المصدرةِ فتهوي باقتصاداتها، وتفتحُ البابَ واسعاً أمامَ الصراعاتِ المجتمعيةِ، وغيابِ الاستقرارِ، ويكونُ ذلك نذيراً بهروبِ رؤوسِ الأموالِ الوطنيةِ والأجنبيةِ منها. 2) السعوديةُ كقوةٍ عسكريةٍ: فربما تكونُ المملكةُ القوةَ الكبرى داخلَ منظومةِ مجلسِ التعاونِ، لكنها تظلُّ قوةً محليةً لا تستطيعُ التأثيرَ خارجِ محيطها. فمنذُ عقود، هناك تسليحٌ بمئاتِ ملياراتِ الدولاراتِ، إلا أنَّ استثماره في حروبٍ فعليةٍ كان مخيباً للآمالِ، وبخاصةٍ في حروبٍ صغيرةٍ نسبياً كمواجهةِ تنظيمٍ ميليشياويٍّ كالحوثيينَ في اليمنِ. بمعنًى آخرَ، إنَّ المملكةَ بحاجةٍ دائمةٍ لحلفاءَ أقوياءَ خارجيينَ، ولن تتغيرَ تلك المعادلةُ إلا إذا تمَّ تحديثُ الجيشِ السعوديِّ، وتهدئةُ التوتراتِ مع الدولِ المجاورةِ لها، كاليمن وقطر، والسعي لاستقرارِ الدولِ القريبةِ منها، كسوريا ومصر والسودان، والسماحُ بهامشٍ كبيرٍ لحريةِ الرأي والتعبيرِ. إلا أنَّ ذلك، كله، يرتبطُ بقرارٍ سياسيٍّ جريءٍ تتخذه القيادةُ بعد استشارةِ المختصينَ الاستراتيجيينَ والسياسيين فيها، بدلاً من سياسةِ اللحظةِ الانفعاليةِ التي تميزتْ بها قراراتها منذُ صارت أبوظبي مركزاً للقرارِ السعوديِّ، وأصبحَ الرويبضاتُ عديمو الثقافةِ كتركي آل الشيخ وسعود القحطاني مستشارينَ في الديوانِ الملكيِّ. 3) السعوديةُ كقوةٍ معنويةٍ: وهذه النقطةُ لم يتوقفْ عندها صانعو القرارِ السعوديِّ، لعدمِ إدراكهم خطورتها، أو استجابةً لمشوراتِ وليِّ عهدِ إمارةِ أبوظبي. فالسورُ الحقيقيُّ الذي يحيطُ بالمملكةِ، ويمنعُ عنها التهديداتِ الخارجيةَ هو الشعوبُ العربيةُ والإسلاميةُ التي ترى فيها موطناً للإسلامِ، وحاميةً للمسلمينَ. ويقابله سورٌ داخليٌّ يتمثلُ في ولاءِ معظمِ أبناءِ الشعبِ للنظامِ السياسيِّ، مهما كانت أخطاؤه، لاعتقادهم أنه يحمي العقيدةَ، ويحافظُ على المجتمعِ وأخلاقه وعاداته. إلا أنَّ تأثيراتِ محمد بن زايد على القيادةِ السعوديةِ بلغتْ حداً جعلها تهدمُ السورينِ معاً بفجاجةٍ وتهورٍ. فمثلاً، لو قامتْ كلُّ الأنظمةِ السياسيةِ العربيةِ والإسلاميةِ بمغازلةِ الكيانِ الصهيونيِّ، فإنَّ الشعوبَ سترفضُ ذلك. أما إن قامت السعوديةُ بمغازلته فإنَّ الطعنةَ في قلوبِ الشعوبِ ستكونُ كبيرةً لدرجةِ العداءِ المطلقِ، مما يقودُ إلى العنفِ والتطرفِ والإرهاب بحجةِ الدفاعِ عن مقدساتها في المملكةِ وفلسطينَ. إذن، كانتِ الخطواتُ السعوديةُ القابلةُ بالكيانِ وابتلاعه للقدسِ الشريفِ والأقصى المباركِ، والداعمةُ لتمزيق اليمنِ وتدميره، والساعيةُ لتغييرِ الخريطةِ السياسيةِ للخليجِ بحيثُ تضمُّ دولتينِ فقط هما المملكةُ والإماراتُ، خطايا عظيمةً ستؤثرُ سلباً وبصورةٍ خطيرةٍ على السعوديةِ في المديينِ القريبِ والبعيدِ. لذلك، ندعو القيادةَ السعوديةَ لإعادةِ بناءِ السورينِ، وإحداثِ تغييراتٍ خارجيةٍ وداخليةٍ فعليةٍ في سياساتها، بدلاً من الانغماسِ في سياساتِ اللحظةِ الانفعاليةِ، والاستماعِ لمشوراتِ إمارةِ الخرابِ الظبيانيةِ.