08 نوفمبر 2025

تسجيل

المواطن قيمة أم سلعة؟

26 نوفمبر 2020

يهمني جداً أن يعي المواطنون، أننا اليوم نمر بمرحلة مجتمع الاستهلاك، بعد أن عاش آباؤنا وأجدادنا مرحلة الإنتاج، لذلك كل ما تركوه لنا من نشاط كان تراثاً محملاً بقيم الإنتاج، ومرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بتلك المرحلة، مرحلة الإنتاج، لذلك هناك ارتباط وثيق بين العمل وما يحمله من قيم، أياً كان طبيعة هذا العمل أو النشاط. اليوم في مجتمع الاستهلاك فُصلت القيمة عن العمل أو النشاط، فحينما نمارسه، نمارسه كنشاط أو عمل وليس كقيمة، ولي هنا بعض الملاحظات أود لو أذكرها: أولا: مجتمع الإنتاج، مجتمع خيال واسع وابتكار دائم، فجميع نشاطاته وفنونه، نشاطات وفنون تحمل قيَماً فتعلي من الإنتاج كقيمة، بينما مجتمع الاستهلاك تنفصل القيمة عن العمل، فتصبح القيمة مجرد ترفيه أو قيمة ترفيهية، تزيد من حدة الاستهلاك بمعزل عن الإنتاج. ثانياً: التكالب المستمر على الطلب الاستهلاكي غير الأساسي، بينما كانت القيمة الإنتاجية في السابق هي القيمة الحاكمة، كنا نستخدم السيارة حتى تصبح قيمتها السوقية صفراً، وبعض السيارات كنت أراها أمام البيوت منتهية الصلاحية، قارن اليوم؟. ثالثاً: نشاطات التراث التي تزدهر في هذا الوقت من كل عام، القلايل، سنيار، الحَبال، الهدد وغيرها، أيضاً تدخل ضمن نشاط مجتمع الاستهلاك، وأصبحت كذلك قيماً استهلاكية، بينما هي في الأصل قيم ذات بُعد إنتاجي في المجتمع في عقود الآباء والأجداد، وارتباطها بالجوائز الكبيرة دليل على انتقالها إلى هذا الحيز الاستهلاكي. رابعاً: مجتمع ما قبل "الريع" مجتمع إنتاجي، بينما مجتمع الريع الذي نعايشه مجتمع استهلاكي. خامساً: مجتمع الريع يقوم على ما يسمى بالفرصة التاريخية التي أمكن للمجتمع اقتناصها أو تضييعها، بحيث يجعل من قيم الريع قيماً إنتاجية أم قيماً استهلاكية، فكلما اتسعت دائرة عدالة التوزيع، مال المجتمع إلى قيم الإنتاج على حساب قيم الاستهلاك، والعكس صحيح. سادساً: الخطورة حينما يصبح المجتمع كله خارج قيم الإنتاج ويصبح فقط قيمة استهلاكية لا أكثر، كما نرى بوضوح. سابعاً: الأخطر من ذلك عندما يفقد حتى القدرة على التحكم في قيم الاستهلاك وينعدم تأثيره بشكل كبير في ذلك، ويتحول إلى أقلية غير مؤثرة إنتاجياً واستهلاكياً كذلك. ثامناً: إدراك خطورة عدم تأثير المجتمع أو مجتمع المواطنين في خيارات الإنتاج والاستهلاك، يضع المجتمع بين قوسين أو فائض عن الاستهلاك، ناهيك عن الإنتاج فيصعب بالتالي صياغة بنية فوقية جمالية أخلاقية ثقافية تحافظ على هويته وكيان وجوده. تاسعاً: لا يمكن اتهام المجتمع بعدم الإنتاجية ولم توفر له الفرصة لينتج من خلال سياسات عمل واضحة وعادلة في الفرصة والتوزيع، نحن مجتمع بلا طبقة عمالية تنتج وبطبقة كبيرة بل كل مجتمع طبقة مستهلكة، هذا الأمر سيضر على المستوى الطويل بملاك الريع أيضاً، لأن العمالة الأجنبية في إطار التوطين عالمياً وفي حالة تجنيسها هي أشد خطورة من العمالة الوطنية لراديكاليتها فهي بلا ثقل تاريخي يمكن لها أن تراعيه داخل مجتمع الإنتاج. عاشراً: من الواجب والأخلاق الاحتفاظ بالقيمة للمواطن من خلال المحافظة على تاريخه حمى إزالة تاريخية بداية لإزالته هل نعي ذلك أم أننا نشعر أننا بمأمن، لأننا ركبنا سفينة نوح وتركنا الباقي يغرق. [email protected]