14 نوفمبر 2025

تسجيل

ركاب الدرجة الأولى

26 أكتوبر 2014

وصلت صديقتي أخيراً، بعد معاناة السفر والحرب.. لم تستطع عبر دمشق فحاولت عبر مطار لبنان لكنها ذاقت الأمرّين حتى سُمح لها بالدخول إلى بيروت لتغادر عبر مطارها، فلا عجب أن يحمل المواطن صليبه على ظهره، فمن غير المستبعد أن يُهرّب مثلاً أوجاعه وأحلامه وربما يحمل وطناً في حقيبته وهذا ما يعاقب عليه القانون. فأفيون الأوطان محرّم دوليا وهذا الإدمان، حالة تخص الطيبين من الشرفاء الذين يهرّبون كرامتهم ووفاءهم ويشمّون بلدانهم أينما رحلوا.. لكن صديقتي لم تحمل معها بلداً واحداً بل اثنين، فهي فلسطينية الأصل سورية المنبت، وتهمتها مضاعفة بحمل ممنوعين وعاصمتين وأنباء من الكتبِ، عاشت عواصمكم يا أمة العرب. بالحقيقة كان من أسعفها بحظوة السفر أخ لها في الخليج حجز لها على الدرجة الأولى من كثر ما عانت لإيجاد مكان ما على الدرجة السياحية.. في الردهة دار بينها وبين مسافر بعض الأحاديث مما يجول بين أبناء البلد والهم الواحد وتفاجأت بالمضيفة تدعوها أثناء الانتظار إلى المكان المخصص لركاب الدرجة الأولى حيث البوفيه المفتوح والأصناف العديدة من المأكل والمشرب.. لم تنس ابن بلدها (المعتر) راعي الدرجة الثانية فلفّلفت له سندويشة هرّبتها في حقيبتها ولو كانت على أرض مغايرة لهرّبت الباقي إلى أناس آخرين. ثم أخبرتني ببقية «السالفة» بالسخرية المعهودة لديها عن أولئك الركاب الفضائيّين وفوحان عطورهم وذقونهم التي تبدو عليها مسحة الحلاقة وكأنها للتو، بعد حمام نظيف، وقد تركوا خلفهم أوطاناً منقوعةً بالبانيو والشموع. أمّا ما أعجبها كثيراً فهو انتعاشة تقدمها المضيفة عبر منشفة صغيرة معقمة مغلية تحملها بملقط صغير وتوزع معها ابتسامة تشبه القبلة الافتراضية على صفحة الفيس بوك.. جلست صديقتي بمقعدها الوثير الذي وصفته بدقة وهي الروائية المهتمة بتفاصيل أو شؤون صغيرة كما يقول نزار قباني، وقد أثار شجونها تلك المضيفة التي تعمل مثل «مكوك الحايك» جيئة وذهابا مهتمةً بخاطر ركاب الـ (فيرست كلاس) فما كان منها إلاّ أن أومأت لها بارتخاءةٍ في الخدين مع زمّ في الشفتين: اقعدي يا صغيرتي ألم تتعبي بعد؟! هل أساعدك بشيء؟! دعيني أجلي لك الصحون.‏