07 نوفمبر 2025

تسجيل

الغرب يريد إسقاط وول ستريت(2-1)

26 أكتوبر 2011

يرفع مئات الآلاف من المتظاهرين في نيويورك وباريس ولندن ومدريد هذه الأيام شعارات الربيع العربي لكن باختلاف المطالب حيث تقول شعاراتهم: "الشعب يريد إسقاط نظام بريتن وودس" أو تقول: "هيا بنا نحتل وول ستريت" وهو انتقال حمى التغيير العربية من عالمنا إلى عالمهم لدرجة أني رأيت بأم عيني رايات تونس ومصر وليبيا الحرة مرفوعة في لشبونة لأن المواطن الغربي المعاصر اكتشف بيت الداء في أزمة الغرب وهي أن منظومة النقد العالمية التي نشأت بعد الحرب الكونية الثانية والمسماة (بريتن وودس) هي التي أسست لتفقير الشعوب وإثراء المصارف وهي التي تشكلت على منطق نهب أمم العالم الثالث وبالتالي خلق التوترات وصناعة المجاعات وتفريخ الإرهاب وكذلك فعل الاستبداد في بعض الدول العربية. نفس الأسباب تؤدي إلى نفس النتائج! ووصلت الأزمة إلى الغرب فاستفحلت مديونية الدول وانهار اقتصادها واتسعت رقعة البطالة وعوض معالجة الأصل أي إعادة النظر جذريا في منظومة بريتن وودس تنادت دول الغرب إلى إنقاذ المصارف أي رأس المال وضخ مليارات اليورو في موازين الدول المفلسة مثل اليونان والبرتغال وأيرلندة. ونما الوعي الشعبي الغربي بأصل المعضلة وأدرك أن تردي أوضاع معيشته إنما هو حضاري وليس فقط نقديا أو اقتصاديا أو سياسيا. وأصبحنا نرى الشوارع الغربية تمتلئ بالمنادين بإعادة التأسيس أي هدم منظومة الفساد الغربية المفروضة على العالم والتأسيس لمنظومة أكثر عدلا وأوفر حظا لبناء علاقات دولية أسلم. وشعار إعادة التأسيس نطق بها بيان مؤتمر العشرين المنعقد في باريس يوم السبت 15 أكتوبر الماضي رغم تباين وجهات النظر بين وزير المالية الأمريكي (تيموتيه غايتنر) ونظرائه الأوروبيين. ولكن الجميع اتفقوا فيما يبدو على دعوة زعماء العالم الغربي والأمم الصاعدة لقمة عاجلة يريدها الأوروبيون المتضررون أكثر من أزمة اليورو أن تتجاوز مجرد معالجة الأزمة النقدية والاقتصادية الراهنة لتتغلغل في قلب الأزمة الحقيقية التي هي أزمة حضارة الغرب. فعبارة (إعادة التأسيس) تعني بوضوح الشروع في عملية الهدم من الأسس ليتم إعادة البناء، حيث لم يعد الترميم حلا يتلاءم مع حال البيت الذي تداعى للسقوط ولا مع المصيبة الكبرى التي غيرت الموازين القديمة ودمرت التوازنات العقيمة. وهنا لا بد أن نرفع تحية للشارع الغربي (الأمريكي والأوروبي) لأنه بدأ يعي فداحة المعضلة في الغرب والمتمثلة في انهيار القيم الليبرالية المتوحشة بلا ضوابط والتي أدت في نهاية الأمر بالغرب إلى يقظة عنيفة وهبة مفاجأة لتدارك المركب قبل أن يغرق. ثم إنك تقرأ اليوم أغلب الأدبيات الاقتصادية والسياسية لنخبة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فتقتنع بأن الغرب الذي عاش منذ خمس وستين عاما مزهوا بانتصاراته بدأ يدرك كارثة السقوط المدوي على أنقاض منظومة (بريتن وودس) الجائرة، والتي في الواقع تشكل العمود الفقري لحضارة السوق الغربية الحرة المتحكمة في مصير الدنيا. فالكاتب المعروف رئيس تحرير المجلة الأسبوعية (لوبوان) السيد كلود امبار يكتب في افتتاحية مجلته قائلا " إن الغرب أصبح مثل الطائرة التائهة في المطبات الهوائية ليس فقط بلا كابتن طيار ولكن أيضا بلا كابينة قيادة" ويضيف الكاتب (وهو ليبرالي يميني وليس شيوعيا!) قائلا: "لقد تأسس الغرب منذ طلائعه على عمليات إبادة السكان الأصليين لأمريكا ثم على تجارة العبيد الأفارقة ثم على استعمار (بل استخراب) الأمم الأخرى وسلب مواردها ونهب خيراتها واحتقار ثقافاتها بدعوى أنه الأفضل والأقوى... وهذا هو الغرب ينهار على أصداء صعود أمم عريقة لم يقرأ لها حسابا لتحل محله في زعامة العولمة، فليس متاحا من اليوم لأية حضارة أن تدعي تطويع الأمم الأخرى مثل عجينة رخوة تصنع منها ما تشاء". أما رئيس تحرير المجلة الفرنسية المزاحمة لها (لكبريس) السيد كريستوف باربييه فيكتب: "إن البربرية والهمجية غيرتا اليوم مواقعهما وأصبحتا تلبسان الياقة البيضاء، فالبربرية هي نحن. أما السيدة هلجا زياب لاروش رئيسة المعهد العالمي (شيلر) وهي التي بح صوتها من عشرين عاما (وأنا العربي الوحيد معها كمحاضر بالمعهد) بالدعوة إلى تغيير (بريتن وودس) فقالت في أسبوعية (واشنطن اينسايدر): " إننا نسرع الخطى نحو نهاية الغرب وليس نهاية التاريخ لأننا حولنا اقتصادنا واقتصاد العالم إلى كازينو للعب الميسر بأموال الشعوب وإتلاف مدخرات الفقراء.