11 نوفمبر 2025

تسجيل

جريمة الإبادة الجماعية

26 أغسطس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); فكرة استئصال وإبادة أمة من الأمم، أو شعب من الشعوب، أو جماعة من الجماعات فكرة شيطانية، أول ما ألقى الشيطان بها كان في نفس فرعون، حيث عمد إلى قتل وذبح كل مولود ذكر، خشية أن يكون منهم من ينازعه ويقتله، وقد حكى القرآن عن جريمة الإبادة الجماعية هذه في سورة القصص قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}. وهذه النزعة الاستئصالية التي تجنح ببعض عتاة الإجرام المهاويس إلى ارتكاب جرائم إبادة جماعية في حق من يستضعفونهم يرفضها الإسلام ليس في البشر فحسب؛ بل في الحيوانات أيضا. فلم يُجِز الإسلام إبادة نوع أو أمة من العجماوات - كما يقول العلامة القرضاوي - لسبب من الأسباب، وقال في ذلك رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم: "لولا أن الكلاب أمة من الأمم، لأمرتُ بقتلها". رواه أحمد في المسند وأبو داود وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود. فلم يأمر بإبادتها وتخليص الناس من أذاها، ولكنه عليه الصلاة والسلام نظر إلى الأمر نظرة أعمق، فرأى أن هذه الكلاب - بتعبير القرآن - (أمة) لها خصائصها وصفاتها التي ميَّزتها عن غيرها من الأجناس التي خلقها الله، وإنما خلقها لحكمة، علمها مَن علمها، وجهلها مَن جهلها. وقد قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} (الأنعام: 38). وقد هديت الأسرة الدولية ممثلة في الأمم المتحدة إلى رشدها حين اتفقت على إصدار اتفاقية لمنع جرائم الإبادة الجماعية في 1948 م، والتي أعلنت فيها أن الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي، تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها ويدينها العالم المتمدن. ووفق هذه الاتفاقية يطلق لفظ الإبادة الجماعية على سياسة القتل الجماعي المنظمة، وهي عادةً ما تقوم بها حكومات - وليست أفرادًا ـ ضد مختلف الجماعات، وتعنى الفظاعات التي ترتكب أثناء محاولات الإبادة لطوائف وشعوب على أساس قومي أو عرقي أو ديني أو سياسي، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم. وفي تعريف الإبادة الجماعية حسب ما ورد في هذه الاتفاقية، فإنها تعني ارتكاب فعل من الأفعال التالية على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو دينية: أولا: قتل أعضاء من الجماعة ثانيا: إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة. ثالثا: إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا. وتعد عمليات الإبادة التي قام بها النازيون، أثناء الحرب العالمية الثانية أشهر عمليات الإبادة في العصر الحديث، حيث تذهب بعض التقديرات إلى أن عدد من قتلوا حوالي 11 مليونا من المدنيين، من بينهم سلافيون وشيوعيون ومعاقون ومعارضون سياسيون وغجر من الشعوب غير الألمانية. وقد وقعت جرائم إبادة جماعية حديثة على أساس طائفي أو ديني أو عرقي، مثلما حدث في رواندا والبوسنة وكوسوفو وبورما، حيث ذبح في رواندا 800 ألف عام 1994 من التوتسيين الروانديين على يد قبائل الهوتو التي تمثل الأغلبية على أساس عنصري، وفي البوسنة تم إبادة أكثر من 300000 ألف مسلم من البوسنيين المسلمين على يد الصرب على أساس ديني عام 1992 حتى عام 1996، وفي كوسوفا قتل آلاف الكوسوفيين المسلمين على أساس ديني على أيدي الصرب عام 1998، وعشرات المساجد التي هدمت عقب انتهاء الحرب مباشرة، وفي بوروندي تعرضت الأقلية المسلمة للإبادة على أيدي البوذيين، وقتل الآلاف منهم على أساس ديني، حتى قال أحدهم بعد أن قتل أشهر أربعة أئمة هناك، إنه قتلهم بسبب رفضهم أكل لحم الخنزير. ومن العجيب أن من بين الدول العربية التي صدقت على الاتفاقية مصر وسوريا والعراق، وقد ارتكبت الأنظمة القائمة فيها جرائم إبادة جماعية على أساس ديني وطائفي وسياسي، راح ضحيتها الآلاف من المدنيين الأبرياء، ففي العراق وسوريا ضد المسلمين السنة وأشهرها في الفلوجة والغوطة وحلب، وفي مصر ضد الإسلاميين ومناصري الشرعية، في اعتصامي رابعة والنهضة، وقد حصدت هذه الجريمة في نهار الرابع عشر من أغسطس 2013 عدة آلاف من الرجال والنساء والأطفال، رميا بالمقذوفات التي تفجر الرؤوس والأجساد، وحرقا للجرحى أحياء، في مشهد لم تعرفه البشرية من قبل في يوم واحد. وقد طالت يد العدالة - الضعيفة عمدا في كثير من الأحداث - في العصر الحديث بعض من ارتكبوا جرائم إبادة جماعية على أساس طائفي أو ديني أو عرقي بالسجن مدى الحياة، مثلما حدث في رواندا والبوسنة وكوسوفو، وإن كانت العقوبة بالسجن مدى الحياة لا تمثل عقوبة عادلة بالنسبة لجرائم الجناة، ولا تمثل عقوبة مناسبة توازي الجريمة في المنظور الإسلامي إلا أنها شيء أفضل من تركهم بلا عقوبة؛ فهل تطال يد العدالة الدولية من ارتكبوا جرائم إبادة جماعية في البلاد العربية المنكوبة؟ أم تكون يد الشعوب إليهم أسبق؟