17 نوفمبر 2025
تسجيلومع زيادة التضخم، وازدياد النزعة الاستهلاكية، بعد فتح أبواب الإستيراد على مصراعيها، ازدادت أحوال الطبقة الوسطى تدهوراً. و بدأت الطبقة الوسطى تتلقى ضربات موجعة، بعد توقيع الحكومة المصرية الإتفاق الشهير مع صندوق النقد الدولي في يونيو عام 1991 وما أدى إليه من تخفيض الإنفاق العام، وما تبع ذلك من إرتفاع كبير في معدل البطالة ،خاصة في شريحة خريجي الجامعات والمعاهد العليا، بعدما تخلّت الدولة عن سياستها السابقة في التعيين الحكومي. إلى جانب بدء الدولة في تطبيق مشروع "الخصخصة"، عبر بيع شركات القطاع العام بلا ضوابط، وبلا شفافية، وما صاحبه من تسريح لعدد كبير من الكفاءات، والخبرات، عبر نظام "المعاش المبكر". وفي هذه الأثناء تمدد الدور السياسي لطبقة رجال الأعمال، حتى شغلوا المواقع القيادية في "الحزب الوطني" المقبور، ثم احتلوا عدة مواقع تشريعية، وتنفيذية، خاصة في عهد حكومة نظيف، التي انتهجت سياسات إقتصادية يمكن وصفها ب"اليمينية المتطرفة"، عبر تطبيقها لسياسات الليبرالية الجديدة ومنظومتها الإحتكارية، وهنا توحدت المواقع السلطوية مع نظيرتها الثروية، فصار أصحاب الثروة، هم أنفسهم أصحاب السلطة. وهو ما أدى إلى تخلي الدولة عن القيام بواجباتها الإقتصادية والإجتماعية تجاه مواطنيها، فرفعت يدها عنهم، وتركت كل مواطن يواجه مصيره بمفرده حسب قدرته. تقول القاعدة الماركسية "من يملك..يحكم"، أو أن الثروة هي طريق السلطة، لكن الطريف حقاً أن عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك قد جعل هذه المعادلة تسير في الإتجاهين معاً. ففي مرحلة كانت السلطة هي الطريق إلى الثروة، إذ دخل العديد من المسؤولين إلى مواقعهم وهم لا يملكون شيئاً، ثم خرجوا منها بثروات طائلة. وفي مرحلة أخرى، قفز رجال الأعمال من ذوي الثروات الطائلة إلى مراكز صنع القرار، فصاروا يشرِّعون القوانين ،وينفذون السياسات التي تخدم مصالحهم، دون أي مراعاة للبعد الإجتماعي أو حتى الإنساني. وتسببت السياسات اليمينية المتطرفة لحكومة نظيف في شعور الطبقة الوسطى بأنها مهددة في وجودها، فانطلقت تصارع من أجل البقاء في نفس مركزها الإجتماعي، عبر موجة من الإحتجاجات الإجتماعية هي الكبرى في تاريخ مصر الحديث. فقد شكّلت الطبقة الوسطى بمختلف شرائحها القوام الأساسي لهذه الموجة، من العمال إلى الموظفين، إلى المهنيين بإختلاف ألوانهم، مثل المدرسين، و المحامين ،و الأطباء، و الصحفيين، وصولاً إلى أساتذة الجامعات. كانت المطالب الإقتصادية والمعيشية هي العنوان الرئيسي لهذه الموجة من الإحتجاجات الإجتماعية، التي تضمّنت المطالبة بالحد الأدنى من الحقوق، التي تضمن للمُحتجين البقاء في نفس المركز الإجتماعي، وتحفظهم من الهبوط . وبالتزامن مع موجة الإحتجاجات الإجتماعية، انطلقت موجة أخرى من الإحتجاجات السياسية ،وإن كانت بدرجة أقل بكثير من حيث التكرار، وكثافة المشاركة، والإنتشار. وعند التقاء مسار الإحتجاج الإجتماعي بمسار الإحتجاج السياسي بعد التزوير الفاجر للانتخابات البرلمانية نهاية العام 2010، إندلعت ثورة 25 يناير 2011 بشعارها الشهير الذي يجسد توحد المطالب السياسية بالمطالب الاجتماعية ...."خبز ..- حرية ...- عدالة إجتماعية"، وعندئذ خلعت الطبقة الوسطى رداء الصمت والاستسلام تجاه الدولة ، و ربطت بين المطالب السياسية والمطالب الإجتماعية.... وهنا يطرح السؤال نفسه...هل تكتفي الطبقة الوسطى بما حققته أم تتبعه بخطوات أخرى لازمة لتعديل مسار علاقتها التاريخية بالدولة ؟.