03 نوفمبر 2025
تسجيلتحتل الموروثات الشعبية مكانة اجتماعية وثقافية عالية في حياة الشعوب، إذ تجسد الملامح الرئيسة وتحدد السمات الفارقة المميزة للهوية والشخصية المستقلة لكل مجتمع، لذا فإننا مؤتمنون على المحافظة على تراثنا الشعبي وما يتعلق به من عادات وتقاليد، وتنقيته من عوامل التشويه. هذا الإرث العزيز تتناقله الأجيال عبر الأزمان، وتعتز به وتعززه في نفوس أفرادها، ليبقى حاضرا ومعبرا عن وجودها ومسيرتها الثقافية والاجتماعية، ونحن في هذه البلاد الطيبة المباركة نمتاز بعادات وتقاليد أصيلة تستمد قوتها وجمالها من توافقها مع تعاليم شريعتنا الغراء وعقيدتنا الصحيحة، مما يحتم علينا مراجعة وتأصيل كل ما ينسب لموروثنا الشعبي من عادات وتقاليد واحتفالات، وتنقيحه مما يعتريه من شوائب فكرية وثقافية دخيلة يتكرر إقحامها بصفة دورية، تكرسها بعض الأطراف والمذاهب الفكرية والثقافية، الرامية لترويج عادات ومظاهر احتفالية دخيلة وممارسات تخالف ثوابتنا الشرعية وعقيدتنا الصافية التي تربينا ونشأنا عليها، وتلك المغالطات الصادرة عن عناصر متنفذة دأبوا على المزايدة على غيرهم بزعم اهتمامهم بالتراث الشعبي، وليعلم أولئك أننا من أكثر المهتمين بالتراث العزيز والعادات الأصيلة حقيقة لا ادعاء والحمد لله؛ فكم نعشق التراث ونحن إلى الموروث، مما يربطنا بماضينا العريق ويحيي لدينا إحساسا بالقيم النبيلة النابعة من تعاليم ديننا الحنيف. ما نزال ندعو إلى تخليص تراثنا الأصيل الجميل من كل فعل أو مظهر دخيل أو تقليد غير مستند إلى دليل، ومن ذلك ما يشاع في ليلة النصف من شهر رمضان الفضيل والمعروف بالقرنقعوه، وتخصيصها بنمط من الاحتفال بصورة مبالغة قد تفوق في تضخيمها وتكاليفها احتفالاتنا الشرعية المجيدة في عيدي الفطر والأضحى وادعاء مسميات ألعاب شعبية بعضها يحمل مضامين مريبة، وتحويلها إلى موسم تجاري رائج يجنون خلاله أموالا طائلة، ويقيمون لها أسواقا ومعارض ومسابقات تصرف الناس واطفالهم عن مقاصد هذا الشهر العظيم، ومما يبعث على استهجان هذه الممارسات أنها تتجاهل أوضاعا قاسية يعانيها إخوتنا في غزة المحررة الجريحة، وكان الأولى والأجدر أن تكون تلك المعارض والندوات والفعاليات مخصصة لجمع التبرعات وإغاثة أهل غزة، أما من يتوارى خلف الاحتجاج بإدخال السرور والبهحة على الأطفال فإن ذلك المطلب يمكن تحقيقه طوال أيام شهر رمضان المبارك بأساليب عدة ومحببة إلى نفوس أطفالنا الأعزاء، دون تحويل ليلة النصف من رمضان إلى ما يشبه العيد بل إنه أمسى كذلك مع اختلاف المسمى ومعلوم أن إحداث الأعياد حكم توقيفي تشريعي من الله، فالباحثون بنزاهة وتجرد من الأهواء الشخصية يعلمون بأن هذه العادة المسماة بالقرنقعوه ليست من جذور تراثنا الأصيل، بل انتقلت إلى مناطق ساحل الخليج العربي من ثقافة وعرقية وافدة يعتقد أصحابها بمولد أحد الأئمة في منتصف رمضان ويقيمون له احتفالا ومولدا خاصا بهذه المناسبة وقد حولوا دينهم إلى مظاهر احتفالية وابتدعوا ما يخالف نصوص كتاب الله وسنة نبيه، فما شأننا بهذه العادات والاحتفالات البدعية الدخيلة. ومني دعوة صادقة للباحثين المخلصين في مجال التراث والموروث الشعبي أن يبينوا حقيقة ومصدر الاحتفال بما يسمى بالقرنقعوه وسبب تسميتها بذلك حسب أصحاب بعض المذاهب الأخرى. ومن أراد مزيدا من التوضيح والتيقن حول أصل وحكم الاحتفال بهذه العادة فليراجع فتاوى كبار علمائنا الأجلاء في الماضي والحاضر، متجردا من التأويلات الشخصية والتحيزات العاطفية، اللهم ألهمنا الصواب في القول والعمل. تهنئة مبارك عليكم الحيا يا أهل قطر، جعله الله غيثا مغيثا وصيبا نافعا. اللهم بلغنا ليلة القدر وأعنا على قيامها، وانصر اخواننا المجاهدين، واكشف الكرب عن أهل غزة المحاصرين المستضعفين.