08 نوفمبر 2025

تسجيل

غياب الطبقة الوسطى

26 يناير 2022

التكوين الأساسي للطبقة الاجتماعية هو التشابه بين أفرادها والتقارب النسبي بين مستوياتهم المادية والمعنوية، لم يظهر على مر تاريخ الدولة في قطر أي تأثيرات اجتماعية أو ثقافية أو حتى دينية في تشكيل طبقة وسطى في المجتمع القطري، وتم جوازا فقط اطلاق هذا المسمى بعد زيادة دخل الدولة من النفط في بداية السبعينيات الذي انعكس ايجابا من خلال سياسة التوزيع على تحسين الاحوال المعيشية لأهل قطر، لذلك فالطبقة الوسطى في قطر هي وليدة الطفرة الاقتصادية فقط ولا تحمل أيا من أساسيات بناء الطبقة الفكرية او الايديولوجية او حتى الذاتية الاقتصادية. لذلك كانت استجابة المجتمع القطري للأحداث الاقليمية والعربية خلال العقود الماضية في أدناها مقارنة بمناطق اخرى في الخليج كالبحرين والكويت، كذلك عدم بروز برجوازية الا بعد ظهور الدولة ناهيك عن كونها وطنية، لم تؤثر الايديولوجيات القائمة ساعتئذ في المجتمع المحافظ نظرا لغياب دور مثل هذه الطبقة التي لو وجدت بشكل مستقل وذاتي في حينه لاستفاد من وجودها المجتمع اليوم ولأمكنه تخطي نقطة الصفر الى مراتب متقدمة. كان التأثير القومي عاطفيا فقط وليس تنظيميا وكذلك لم تجد التيارات الاخرى متسعا من القبول لعدم وجود وعي الطبقة الوسطى المحايد الذي يتقبل او لديه القدرة على الحوار مع الآخر. لم نسمع الا اخيرا عن وجود تيار للاخوان المسلمين في قطر مع عدم وجود تفاصيل واضحة ولا يدل ارشيف المجتمع القطري السمعي ولا المكتوب عن أي أثر واضح. وكما ذكر الشيخ حمد بن جاسم موخراً في حلقاته مع تطبيق القبس الكويتية، فطبيعة الوعي الديني والاجتماعي لأهل قطر السكونية الوسطية تجعل من المجتمع وسطيا وليس مجتمع طبقة وسطى تحمل فكرا وقناعات قد تختلف طبقا لهذه القناعات وقد تناضل من اجل تحقيقها وسيادتها والامر كذلك ينطبق على امكانية قيام طبقة «بروليتارية» عمالية كذلك. فقط «رجال الدين» وكبار القبائل طبقة وسطى في المجتمع القطري نظرا لأهمية الدين والقبيلة لكنها طبقة ليست ثابتة نظرا لانعكاسات علاقتها بالحكام ولكن مسالمة وملتحقة بهم لارتباط وجودها بهم ولطبيعة المجتمع الدينية السُنية كذلك لم يستقل رجال الدين برأي مخالف وكل ما قدمته هذه الطبقة مجرد النصيحة الخجولة والسرية كذلك. لم تشرع الدولة في سياسات تصنيع تعمل على تغير ثقافي واضح لعدم توافر امكانية ذلك وكل الصناعة لا تتعدى كونها تركيزا لمفهوم الريع وايراداته وثقافته. اليوم المجتمع يمر بتحولات كبيرة في جميع المجالات ويبدو واضحا غياب دور هذه الطبقة حتى أضحى التجانس الذي يفتخر به المجتمع القطري مثلبة أكثر منه ميزة لا يتحرك الا بوكز من الدولة ولا يستجيب الا بنداء يصم الآذان. اذا كان قيام الطبقة الوسطى هو تعبير عن صراع بين تطلعات السواد الاعظم من الشعب فإن ذلك لم يتم في قطر ولم يتحقق تاريخيا، فالدولة قامت بشكل كلي ولم تحمل في احشائها أية صراعات، ولكن الدولة في صيرورتها وتحركها الى الامام تحتاج الى حرق مراحل ووقود ذاتي لا يحققه سوى وجود طبقة وسطى. عندما تتحول الميزة النموذجية الى نقيصة يكون التاريخ قد حقق سخريته فلا بد من ان يعيد ذاته. قطر اليوم دولة نموذجية ولكن قصة نجاحها ونموذجيتها انها كسرت قاعدة التطور الانساني القائم على الصراع، انها دولة بلا صراع ولا تحمل جيناته اساسا لغياب الطبقة الوسطى التاريخية الا اذا اعتبر ما يتلفظ به من كلمات ونقد هنا وهناك نوعا من الصراع، ولكن السكون في حد ذاته ضد التاريخ». [email protected]