11 نوفمبر 2025
تسجيلربما لا يعلم كثيرون أن من يقود المشهد الانقلابي منذ بدايته في مصر، ليس المؤسسة العسكرية وإنما الإدارة الأمريكية، حيث لعبت آن باترسون، السفيرة الأمريكية السابقة في القاهرة، الدور الأكبر في التخطيط للانقلاب وتنفيذه. ويؤكد هذا الأمر أكثر من مسؤول في الفريق الرئاسي للرئيس مرسي، حينما يشيرون إلى المفاوضات التي أجرتها قبل بدء الانقلاب مع الرئيس من أجل الاستجابة للمطالب التي تقدمت بها واشنطن، والتي كان من أبرزها تعيين البرادعي رئيسا للوزراء بسلطات كبيرة، فضلا عن البدء في عملية تطبيع سياسي واقتصادي مع تل أبيب. وقد وصل الأمر بقيام الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإجراء اتصال بالرئيس مرسي يوم 23 يونيو، أي قبل الانقلاب بنحو أسبوع، من أجل مطالبته بتقديم تنازلات حتى لا يقع الانقلاب. فما كان من مرسي سوى رفض طلب الرئيس الأمريكي، مرددا عبارته الشهيرة "لن أخون من اختاروني لقيادة الوطن". وفي الليلة الأخيرة السابقة على بدء الانقلاب، قامت باترسون بزيارة الرئيس مرسي في محبسه الذي كان في دار الحرس الجمهوري حينها، لإعادة تقديم المطالب الأمريكية، لكن الرئيس مرسي أصر على رفضه، فهددته بالقول: "حينما يبدأ قتل أعضاء جماعتك ومؤيدوك في الشوارع ستلبي مطالبنا". لكن الإدارة الأمريكية فوجئت بصلابة جماعة الإخوان والتيار الإسلامي في مواجهة الانقلاب، الأمر الذي أربكها وجعلها تتراجع عن الاعتراف الرسمي الكامل به ومحاولة اتخاذ موقف وسط يتيح لها هامش أكبر من الحركة. لكن جاء خطاب أوباما الأخير الذي اعترف فيه بحكومة الانقلاب ليمثل خطوة غير مبررة، فالانقلاب يتجه نحو الاندحار في ظل استمرار مواجهته من قبل مؤيدي الشرعية المصرين على القضاء عليه بشكل مبرم، وإعادة الرئيس مرسي وكافة المؤسسات المنتخبة ورفض أي تنازلات يقدمها قادة الانقلاب مهما تعاظمت. هذا الموقف الأمريكي دفع محللين ومراقبين، بل ومسؤولين حاليين وسابقين في الإدارة الأمريكية، إلى التنبيه بخطورة تطورات الأوضاع في مصر على المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. حيث أكد المستشار السابق للرئيس أوباما للأمن القومي توم دونيلون، أن الوضع في مصر كارثي وسيقود المنطقة إلى الجحيم، مشيراً إلى أن الشعب المصري لن يهدأ حتى يعيد مرسي إلى الحكم، وحينها سيقود العالم الإسلامي لزيادة كراهية أمريكا بالعالم. وطالب دونيلون الإدارة الأمريكية بالتحرك من أجل إعادة مرسي للحكم، حتى لا تتحطم هيبتها حينما يعود رغما عن إرادتها، لأن ذلك سيؤدي بالضرورة إلى خروج مصر بالكامل عن المظلة الأمريكية. لكن يبدو أن الإدارة الأمريكية المرتبكة بقيادة أوباما، ليست في وارد الاستماع إلى نصائح دونيلون، حيث مازالت تصر على الاستمرار في تأييد الانقلاب، وترفض إعادة مرسي بشكل كامل، وإن بدأت بالتلويح بإمكانية إعادته لكن لفترة زمنية لا تتعدى الثلاثة أشهر، يتم فيها إجراء انتخابات مبكرة بقيادة حكومة لا يسيطر عليها مرسي. وبطبيعة الحال فقد رفض مؤيدو الشرعية هذا المقترح الأمريكي الذي تقدمت به عن طريق أوروبا، لإصرارهم على عودة الشرعية كاملة غير منقوصة، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة مازالت غير قادرة على التعامل مع تطورات الأحداث في مصر بالطريقة الصحيحة. وهذا سيؤدي، كما توقع المسؤول الأمريكي، إلى ضياع الهيبة والنفوذ الأمريكي في مصر بشكل كامل بعد عودة الشرعية، لأن مصر حينها ستكون خارج الهيمنة الأمريكية التي استمرت عقودا طويلة. ومن المتوقع أن يتخذ الرئيس مرسي إجراءات عقابية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل لقيامهما بالمشاركة في التخطيط للانقلاب وتنفيذه. أول هذه القرارات ستكون حرمان الولايات المتحدة من المعاملة التفضيلية التي تحصل عليها في التحركات العسكرية على أراضي مصر وسمائها، فضلا عن قيادة العالم العربي نحو مواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة. أما إسرائيل، فمن المتوقع أن يتم الإعلان عن تجميد اتفاقية كامب ديفيد بشكل كامل، وربما قطع العلاقات الدبلوماسية معها. لقد قامت أمريكا وإسرائيل بتنفيذ مخطط لاستعادة مصر مرة أخرى بعد فقدانها بسبب ثورة يناير، لكن يبدو أنهما لم يدركا أن هذا المخطط سيكون البداية الحقيقة لاستعادة الشعب المصري لدوره في المنطقة والعالم.