11 نوفمبر 2025
تسجيلزيارة سمو أمير دولة قطر وعقيلته المكرمين لقطاع غزة لا يمكن قطعها عن اعتبارات المكان والزمان والضيف والمضيف ؛ أما من حيث المكان فالزيارة لغزة الصمود والمقاومة والعزة والنصر والوطنية والثورية.. ولغزة الحصار والفقر والحاجة والعراء والبلاء.. وغزة ليست هي المكان الأفضل للاستجمام ولا شواطئها هي الأجمل التي تستقطب سياحة الملوك والزعماء والأعيان. وأما من حيث التوقيت فهي تأتي في وقت يعاد فيه تصفيف معادلات المقاومة على ضوء الأزمة السورية التي نقلت سوريا وإيران عن دعم المقاومة إلى العداء لها لأنها لم تقبل بالمنطق البغيض للطائفية والاستبداد والدم الذي " تتلبطان به " فكانت الزيارة القطرية لغزة بمثابة التوثيق والتأكيد ورسالة الوفاء لها وللمقاومة ؛ رسالة فهمها أصدقاء الشعب الفلسطيني وخصومه على حد سواء.. وهي تأتي – من حيث التوقيت أيضا - في وقت تنشغل فيه النظم والشعوب العربية والإسلامية كل بمشكلاته وتحدياته الداخلية، وإذ يتطلع الفلسطينيون حواليهم في الجهات الأربع فلا يجدون التعاطف والنصرة إلا من غربيين يغامرون بأنفسهم في محاولات متتالية وغير يائسة لكسر الحصار عنهم.. وأما من حيث الضيف ؛ فهو الشيخ حمد الذي مواقفه في دعم القضية الفلسطينية بكل فصائلها وتفاصيلها أشهر وأكثر من أن تحصر في مقال أو ترصد في بيان وليس ينكرها إلا جاهل أو جائر.. الشعب الفلسطيني لن ينسى قولة الشيخ الفذ المكرم يوم قال " حسبنا الله ونعم الوكيل " وهو يحاول جمع الصف العربي في الدوحة للوقوف في وجه العدوان الصهيوني على غزة وإذ يحول خبث ومكر أنصار المشروع الصهيوني في المنطقة دون ذلك.. ولم ييأس فجمع من وافقه منهم ليقول وإياهم قولتهم وليسجلوا في التاريخ أنهم الوحيدون الأحرار والوحيدون الذين وقفوا مع الشعب الفلسطيني والوحيدون الذي أناروا ببياض مواقفهم وأدفئوا بصدق اخوتهم ليل الفلسطينيين بل ليل العرب والمسلمين البارد الطويل في أحلك الظروف وأقساها.. وأما من حيث المضيف فهي المقاومة ورموزها وحكومتها التي هي الحكومة الوحيدة المنتخبة شرعيا وحقيقة وجديا في طول وعرض كل المنطقة العربية – طبعا قبل الثورات الحالية التي غيرت الموازين وأسقطت بعض الفاسدين الكاسدين - من هنا فالزيارة القطرية تؤكد على شرعية المقاومة وعلى أن غزة محررة بالفعل وأن فيها حكومة حرة تستقبل وتودع زوارها دون الإذعان الفلسطيني والإذن الصهيوني.. وهو ما لا تستطيع مثله السلطة التي دأبت في سياق التبرير لخضوعها للاحتلال واختراقه لها وتخويفه إياها على الزعم بأن " غزة كالضفة وأنها ليست محررة ". هذه الزيارة في ميزان الفعل الحقيقي والتأثير العملي وبكونها بادرة غير مسبوقة من زعيم عربي لغزة منذ ست سنوات وبالأخص بعد عدوان 2008 – 2009 تعد في قمة المطلوب وأوج المأمول وغاية غايات الوطنية والقومية والإسلامية ؛ رغم ذلك فقد قامت فئة من الكتّاب أغلبهم من أقلام وألسن السلطة الفلسطينية الذين أكلت نار الغيرة قلوبهم وأحرقت أعصابهم فلم ترق لهم فقاموا يفتشون في ثناياها عن انتقاد هنا أو هناك ليتعلقوا بحباله أو ليتعللوا به، وإذ لم يجدوا راحوا يجترون كلاما بعضه يستحق الرد وبعض منه لا يلتفت إليه ولا من الحكمة الانشغال به.. مما قالوا ويرد عليه: إن في الزيارة معنى الاعتراف بالانقسام وبحكومة حماس " المقالة " وتعلية لها – أي لحماس - على السلطة وللسيد هنية على عباس وفياض ولقطاع غزة على الضفة بما يضرب التمثيل الرسمي للسلطة وللمنظمة.. وهي – أي الزيارة - بمثابة التعزيز لما تجسده حماس من خروج على الشرعية الفلسطينية.. وتساءلوا أيضا: لماذا قطر دون كل الدول؟ ولماذا أمير قطر دون كل الزعماء؟ وأقول: أما أن الزيارة تضرب التمثيل الرسمي للسلطة والمنظمة ؛ فأمير قطر لم يأت البيوت إلا من أبوابها ؛ فقد دعا السيد عباس لمرافقته في هذه الزيارة لكن الأخير رفض ؛ وهو رفض تدينه بالتأكيد اتجاهات المصالحة، وتشينه حاجة غزة للدعم السياسي والمعنوي، وكان يفترض أن يبرره ويحفزه قرار فك الحصار المعتمد عربيا ومشروع الإعمار المعتمد دوليا.. ثم إن قطر لم تسحب اعترافها بالمنظمة ولا بالسلطة ولا بعباس ولم تسلخ اعترافا بديلا لا على حماس ولا على غزة، ولم يسبق أن تعرضت قطر للفروق الخاصة بين هنية وعباس وفياض لا في الجوانب الشخصية ولا الاعتبارية ؛ بل ظلت في مقابل ذلك على موقف واحد ثابت منذ الانقسام ومنذ ما قبله هو السعي في المشتركات والجوامع والمصالحة وفي دعم استراتيجية كل فريق دون التدخل في تفاصيل موقفه وقناعاته وخلافاته مع غيره.. الحقيقة أنه ليس على قطر ولا على أي أحد سواها أن يوقف تواصله مع المقاومة أو مساعيه لفك الحصار عن غزة لمجرد أن السلطة لا تحبذ ذلك أو لأنها لا تجد مصلحتها فيه أو لأنها تتخذ منه موقفا! فإن كان السيد عباس والسلطة يفهمون أو يشعرون بأن هذه الزيارة أو ما سيتبعها من زيارات مسؤولين عرب أو غير عرب تضغط عليهم ؛ فالأحسن والأليق ليس أن يدينوا ذلك ويظهروا بموقف المؤيد للحصار والرافض للمصالحة والمغامر بمصالح شعبه ولكن أن يأتوا للمصالحة وأن يخرجوا من تحت هذا الضغط؟ وأما التساؤل لماذا قطر دون غيرها ؛ فالجواب في السؤال المقابل: ولماذا لا تكون قطر ؛ وهي التي لم تبتعد لحظة عن الهم الفلسطيني؟ وإذا كان تسعون مليون مصريا هم كل الشعب المصري - باستثناء الفلول - قد فرحوا بزيارة أمير قطر لبلادهم واستبشروا منها خيرا ؛ فهل على حماس أن ترفضها أو تمتعض منها؟ ثم أليست السلطة ووزير أوقافها هم الذي أفتوا بزيارات العلماء والرموز لهم في رام الله وخطبوا في سبيل ذلك ودهم وبرروا بأنها نصرة للقضية ؛ اللهم إلا إذا كان الحلال لهم حراما على غيرهم؟ والحقيقة أن على فتح والسلطة أن تعلما أن الأحداث والأحوال تتحرك من حواليهما فيما هما الوحيدتان الباقيتان على خيارات بل مضى عليها عشرات السنين ولم تحقق شيئا ولم توصل لنتيجة إلا خدمة الاحتلال وتمضيته وتسهيله.. وعليهما أن تعلما أن الأحداث تجاوزتهما وستتجاوزهما أكثر فأكثر ما أطالا المكوث في اللافعل واللاثورة واللاوحدة وفي الحرد السياسي والبكاء على الأطلال.. وعليهما أن تعلما أن حماس التي عرفاها قبل عشرين سنة ولم يقدراها حق قدرها وانتهتا معها إلى ما تريانه قد أقنعت الشعب الفلسطيني باستراتيجيتها وأقنعت المتضامنين من أنحاء العالم بمواقفها واستحقاقاتها، وها هي اليوم تستقطب الزيارات والوفود الرسمية.. الحقيقة أيضا أن الزيارة القطرية قد سلطت الضوء على التخاذل العربي الذي لم يعد له ما يبرره، ولست أدري بعد اليوم كيف يغمض جفن من يدعي عروبة أو إسلاما وهو يساهم في حصار غزة بتآمر أو بتخاذل! (فلا نامت أعين الجبناء)! وهل يقبل حر أو يرضى بذلك ذو شرف!؟ وعلى من يقبل بذلك أو يسوّغه متعللا أو مترخصا أن يقرأ عن حصار السوفييت لبرلين عام 1948 التي لم يكن عدد سكانها إذ ذاك يتجاوز عدد سكان غزة هذه الأيام.. ليقرأ كيف مد الغرب لها جسرا جويا زودها من خلاله بملايين الأطنان من الغذاء عبر أكثر من 270 ألف رحلة طيران ما اضطر السوفييت لفك ذلك الحصار بعد سنتين من محاولة فرضه!! آخر القول: بورك الكبار إذ يرسمون التاريخ وبوركت الزيارة القطرية لغزة، وليس على قطر أو سواها من أشقاء وأصدقاء الشعب الفلسطيني في ظل تعطل عملية التسوية والحصار الخانق للمقاومة وتبدل ألوان الولاءات أن يتوقفوا كثيرا عند تفاصيل الخلافات الفصائلية الفلسطينية..