17 نوفمبر 2025

تسجيل

رضا الناس غاية

25 أغسطس 2015

الإنسان لأنه سريع التأثر بالظروف المحيطة وسريع النسيان، فقد ينسى جميل صنعك معه في زمن غابر، فبعد أن كان في حالة من الرضا عنك، وربما لموقف معين أغضبته، فقد تجده لا يذكر لك جميلاً وينكر ذلك.. وهكذا مثله كثير، حيث لن تجد من يرضى عنك أو تكون مقبولاً على الدوام عنده.. والأمر ربما يعتمد على صفاء المزاج وعلى مدى ضيق أو اتساع أفق من تتعامل معه أو معهم.. فهكذا هي طبيعة الحياة وهكذا هي النفس البشرية.. ربما أغلبنا قرأ أو سمع قصة جحا مع الناس، وفيها ما يؤيد هذا الحديث ويوصفه بشكل دقيق.. حيث أراد جحا يوماً أن يعلم ابنه درساً عملياً يستفيد منه في حياته، فخرج معه إلى السوق وركب حماره، فيما ظل الابن يتبعه، حتى إذا كان في الطريق، مرت نسوة عليهما، فأخذن يشتمن جحا قائلين له: أيها الرجل، أما في قلبك رحمة؟ تركب الحمار وتدع الصبي الضعيف خلفك يعدو؟! هذا مشهد أول. في المشهد الثاني، ينزل جحا عن الحمار ويأمر ابنه بالركوب، حتى إذا كان في الطريق نحو السوق رأى مجموعة من كبار السن مشهد جحا وابنه، فدق أحدهم كفاً بكف وقال: لمثل هذا فسد الأبناء وتعلموا عقوق الاَباء.. أيها الرجل، أتمشي وأنت شيخ طاعن في السن وتدع الحمار لهذا الولد، وتطمع بعد ذلك في أن تعلمه الأدب والحياء؟ همس جحا لابنه قائلاً: أسمعت؟ هيا بنا نركب الحمار معاً .. في مشهد ثالث مذهل. لم تمض فترة من الزمن، حتى مرت بهما جماعة ورأوا المنظر وهالهم ذلك. فصاحوا بهما قائلين: أما تتقيان الله في هذا الحيوان الهزيل؟ أتركبانه معاً وكل منكما يزن من الشحم واللحم ما يزيد على وزن الحمار! نظر جحا إلى ولده مبتسماً، وقال له: قم بنا نمشي معاً ونرسل الحمار أمامنا حتى نأمن سوء المقال من النساء والشيوخ وأصدقاء الحيوان. ما إن مرت لحظات على الموقف، حتى رآهما عدد من خبثاء القرية، وأخذوا يتهامسون فيما بينهم حتى بلغوا جحا وابنه وقالوا لهما: والله ما يحق لهذا الحمار إلا أن يركبكما أو تحملاه وتريحاه من وعثاء الطريق! وفعلاً قام جحا في مشهد خامس وأخير، مع ابنه وعمدا إلى شجرة وأخذا فرعاً متيناً ربطا الحمار به، وحمل كل منهما جانب الفرع وأخذا يسيران في الطريق نحو السوق، حتى بدأ الناس يتجمعون للمشهد العجيب شيئاً فشيئاً، حتى جاء شرطي بسبب زحمة الناس، ورأى المنظر، فقرر أن يقود جحا وابنه إلى طبيب، فلعل خللاً أصابهما في عقليهما! قال جحا لابنه وهما في الطريق إلى الطبيب في ختام الدرس العملي: هذه يا بني عاقبة من يستمع إلى القيل والقال، وإن رضا الناس يا بني، غاية لا تُدرك.