15 نوفمبر 2025
تسجيلهل تعرفون الجراح العشرة التي وردت في الإنجيل (فصل الهجرة أو النزوح) وهي الجراح التي حكم بها على مصر رب التوراة والإنجيل عقابا مسلطا على فرعون وذهب هذا المصطلح مذهب الأمثال منذ العصور الغابرة، ولا أحد طبعا من العلماء وفقهاء اليهودية والمسيحية أكد تاريخية الأسطورة، لكنها اشتهرت في المجتمعات الشرقية كقصة عقاب رباني لكل استبداد وكل ظلم يصدران عن أي فرعون قديم أو جديد (وهم كثر لدينا). الغريب أن شعوبا عديدة تعاني ويلات حكام أو دول ظلموها فعوقبت الأمم بالجراح المصرية العشر وربما تخلصت شعوب من المستبدين لكنها عانت ويلاتها العشر من جراء غياب وعيها أو في لحظة غفلة تاريخية مرت بها حتى ولو عدل حكامها. تعالوا معي في رحلة أسطورية نتأمل في جراح مصر العشرة التي صنفها الإنجيل كالتالي: 1) أصبحت الأنهار تسيل دما قانيا عوض المياه الرقراقة 2) غزت الضفادع كل غدير تنقنق 3) امتلأت المدن والأرياف بالبعوض (اليوم يحمل المالاريا) 4) هجم الذباب على البيوت (اليوم من جراء المزابل المتراكمة كما تعلمون) 5) أصيبت قطعان البقر والضأن بأمراض قضت عليها (اليوم جنون البقر وحمى الدجاج) 6) طفح على جلود الناس دمل وقروح تنزف (أي ما كنا نعتقد أن دولة الاستقلال قضت على الأوبئة سامحنا الله!) 7) تساقط البرد والثلج على الناس رغم اعتدال الطقس فألزمهم بيوتهم بحثا عن الدفء (لا بد أنكم شاهدتم ما قاسته بعض جهاتنا تحت الثلوج وبعض العائلات بلا بيت يؤويها زارتها كاميرات القنوات أو بعض الجمعيات الخيرية حين غابت السلطات!) 8) جاءت جحافل الجراد مؤذنة بهلاك المحاصيل حتى اسودت السماء بهذه الآفات الطائرة تلتهم المحاصيل 9) عسعست الظلمات وانسحب نور الشمس فاسود الأفق 10) مات الولدان الذين وضعتهم أمهاتهم أحياء بعد سويعات من ميلادهم فثكلتهم الأمهات وبكاهم الآباء حسرة. (ما أدق الأسطورة هنا كأنها تقص علينا الحدث مباشرة من مستشفى الرابطة التونسي حيث استشهد 15 رضيعا بسبب سيروم مسموم حقنوا به وأكيد أن من اقتناه قبض فيه رشوة! فاستقال الوزير ولم يستقل الفساد). هذه هي أسطورة الإنجيل في فصل النزوح كما جاءت بالحرف وهو مما أثار فضولي للمقارنة بين العقوبات العشر الإلهية التي جرحت مصر الفرعونية وبين ما يقع في كثير من بلدان عربية مرت بثورات ما يسمى الربيع ثم أفاقت على كابوس خريف رهيب لكنه أتاح بعض الحريات مثل الكلام المباح! فسبحان الله الذي ذكر آفات تعفن البيئة قبل أن تعي الشعوب ضرورة الحفاظ على البيئة بل إن حكومات تونس على سبيل المثال أنشأت للبيئة وزارة. وشرطة سميت شرطة البيئة وسنت قوانين زجرية لمعاقبة المخالفين وكانت النتيجة أن تراكمت الفضلات وأصيبت تونس بعد إنشاء الوزارة وتوزيع شرطتها تقريبا بكل ما أصيبت به مصر الفرعونية من بعوض وذباب وتلوث أنهارها ونفوق ماشيتها باعتراف الحكومة وخصومها معا!. أما العقاب التاسع وهو نزول الظلمات الحالكة فهي تذكرك يا قارئي العزيز بانقطاع الكهرباء في كل بلدان الربيع فلا المستشفيات سلمت وكثيرا ما يذهب المواطن العربي إلى مرفق عمومي مثل بنك أو بلدية أو إدارة فيقال له عد غدا لأن (السيستم) معطل أو "متبلوكي" من العبارة الأنجليزية (بلوكد) وهذا يشبه الجرح التوراتي التاسع أي أن الظلام الدامس ساد الأمة وهو ما عطل مفاعلات الكهرباء وحركة الطيران المدني وتوفي مرضى يحتاجون الى تصفية الدم أو الى عملية جراحية وعن فقدان الأدوية حدث ولا حرج فهذه المصيبة ظلمات فوقها ظلمات ووزارة الثقافة عندنا في تونس مثلا سمحت أن يتقاضى المهرج الفرنسي المغربي (جمال دبوز) مائة وعشرين ألف يورو بالعملة الصعبة ليقوم بإضحاك جمهور مهرجان قرطاج على رئيس جمهوريتنا، وكذلك تقاضت المغنية اللبنانية هيفاء وهبي ضعف هذا المبلغ وأيضا المطرب بهي الطلعة راغب علامة او الفنان كاظم الساهر نفس الآلاف من الدولارات وبالطبع وجدت الصيدلية المركزية التونسية صعوبات في تسديد فواتيرالأدوية المستوردة من أوروبا (التي لم نصنعها نحن رغم كوادرنا المقتدرة!) لأن الفنانين العرب لهفوا ثمن الأدوية! فما كان ضرنا لو غنى فنانونا التوانسة بالدينار عوضا عنهم فلا أجمل من أصوات تونسية غيبوها لتحل محلها أصوات مستوردة ليست أفضل منها!! الى اليوم أتعجب من غياب الأولويات في وطني أي فقدان المنطق! ألم أقل لكم إن اللعنات العشر أصابتنا وهي من حكمة الأساطير الغيبية العجيبة!.