15 نوفمبر 2025
تسجيلقطر ثابرت على التعامل مع الولايات المتحدة كشريك إستراتيجي الدوحة واصلت دعمها لقطاع غزة ورفضت وصم المقاومة بالإرهاب كثيرا ما أدعى إلى مؤتمرات دولية إستراتيجية في جامعات و مراكز بحوث أوروبية وكثيرا ما يسألني بعض الزملاء من الأكاديميين عن علاقات قطر مع الولايات المتحدة وعلاقات دول مجلس التعاون عموما لأن زملائي خبراء في رسم التوقعات و السياسات ولأنهم يعرفون مدى معايشتي لملفات الخليج على مدى ثلث قرن حيث أعيش في الدوحة منذ أن أكرمني صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة بمنحي الأمان سنة 1990 و كنت آنذاك مطلوبا في (إنتربول) ولاجئا سياسيا في فرنسا أنا و الصديق الفاضل محمد مزالي رئيس حكومة تونس الأسبق رحمه الله مع عديد قدماء الدستوريين و اليساريين و الإسلاميين فعشت في هذا البلد الأمين أستاذا في جامعته و مساهما في مجتمعه المدني وأحد أوائل المشاركين في قناة الجزيرة التي غيرت وجه الإعلام العربي وشحنته بالجرأة والموضوعية. أنا ما أزال معترفا بجميل من استجرت به فأجارني و متابعا لمواقف قطر الرائدة و انتصاراتها الباهرة بقيادة أميرها صاحب السمو الشيخ تميم حفظه الله. و أعود لسؤال الزملاء عن خلفيات وأسرار العلاقات الخليجية الأمريكية فأقول إننا اليوم عام 2019 أمام نموذجين خليجيين من العلاقات بين واشنطن و عواصم الخليج : النموذج الأول هو الذي نلاحظه ما بين الرياض وواشنطن و ما بين أبوظبي و واشنطن بأقل حدة فمع وصول ترامب إلى البيت الأبيض تغير الطابع الدبلوماسي و البروتوكولي الذي كان يغطي سوءات تلك العلاقات منذ التحالف التاريخي بين مؤسس الدولة السعودية والرئيس روزفلت تلك المعاهدة التي سميت باسم الباخرة (كوينسي) التي جمعتهما والتي سار عليها كل رئيس أمريكي حتى هذه اللحظة وبرغم أن أمريكا هي الراعي الرسمي للديمقراطية في العالم لم تدرك بأن الملكية لا تعط شعوبها حقوقهم ولكن أصل الديمقراطية هو الحفاظ على الرأسمالية. وحين التقى الرئيس الأمريكي (روزفلت) مع الملك (عبد العزيز) على ظهر السفينة (كوينسي) بعد الحرب العالمية الثانية في البحيرات المرة بقناة السويس في مصر عام 1945ومنذ ظهر عصر النفط وأمريكا هي أعلى الدول استهلاكاً للنفط في العالم كما ورد في كتاب (دم ونفط) فإن أمريكا تستهلك يومياً 20 مليون برميل نفط من إجمالي 80 مليون برميل يتم إنتاجه عالمياً ثم تحولت العلاقات التقليدية إلى نوع من الابتزاز المكشوف بلهجة فجة تعرفونها جميعا مما لم يكن يحتمله أو يقبله أي نظام سياسي في العالم بل وصلت لغة التعامل الأمريكي مع الحليف السعودي درجة العبارات المهينة من صنف لولانا لكانت السعودية تتكلم الفارسية أو لولانا لما استمر النظام أسبوعين . هذه اللغة غير المراعية للنواميس الدبلوماسية ما تزال مستمرة على الأقل ما دام ترامب في السلطة إلى موفى 2020 و بالطبع لم تقف العلاقات الغريبة عند حد اللغة و التخاطب بل تعدتها إلى فرض منطق أوحد وهو أنه لا سبيل إلى كسب تعاطف واشنطن و حمايتها إلا عن طريق التطبيع المهرول الثابت مع عدو تاريخي هو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين و لا نقول إسرائيل لأن إسرائيل أصبحت الدولة الأقوى في الشرق الأوسط كما تنبأ لها وخطط لها (تيودور هرتزل) سنة 1897 في كتابه (الدولة اليهودية) . لكن الاعتراف بالواقع رغم أنه محفوف بالمزالق لا يعني الاعتراف بالمظلمة المسلطة على الشعب الفلسطيني ولا الإقرار بأننا نساند الظالم ضد المظلوم و نتخلى عن قضية حق ونترك شعبا عربيا مضطهدا ضحية للعدوان و القتل والتهجير و التجويع ثم إن الحق الفلسطيني ليس حصريا قضية عروبة أو إسلام لأن منظمة الأمم المتحدة الجامعة للإنسانية قاطبة هي التي أقرت بحق الشعب الفلسطيني في أرض ودولة كما أقرت بحق كل شعب محتل في المقاومة بما أتيح له من إمكانيات هذا هو النموذج الأول أما النموذج الثاني فهو بلا منازع العلاقات القطرية الأمريكية التي تميزت منذ استقلال قطر بالشفافية و الوضوح كما صرحت هذه الأيام السيدة (بيلوسي) رئيسة الكنغرس . و لا بد أن نقر تاريخيا بأن الحضور الأجنبي في الخليج و بخاصة الأمريكي كان نتيجة حتمية لاحتلال الكويت من قبل صدام حسين سنة 1990 حين كان كل شيء ممكنا بتلك العملية المتهورة التي عصفت بالعراق أولا و أعادته قرونا الى الوراء ثم بالشرق الأوسط حين فتح الباب لكل تدخل عسكري لكن دولة قطر ثابرت على التعامل مع الولايات المتحدة كشريك استراتيجي يقتصر دوره على حماية أمن الإقليم من المغامرات لكن دون أن تتخلى قطر عن الشقيقة فلسطين رافضة وصم المقاومة المشروعة بالإرهاب و استمرت القيادة القطرية في إعادة اعمار غزة و كسر الحصار حولها و إعانة سكانها على توفير المرافق و الدفاع عن الحق الفلسطيني في كل المحافل بلا تردد ثم رفضت ما يهيأ له من صفقة القرن التي تعني أساسا إلغاء القضية الفلسطينية من المستقبل وضياع القدس. مقاربتان مختلفتان وتقييمان متضادان لواقع مفروض بالضرورة حسب موازين القوى العالمية لكن الأول ألغى المبادئ و الثاني تشبث بها في عالم يتغير بسرعة و تتبدل معاييره و البقاء للأصلح و الأصلب عودا. [email protected]