07 نوفمبر 2025

تسجيل

الصحافة السودانية.. معاناة متطاولة

25 فبراير 2012

توالت وبصورة مزعجة قصص إغلاق وتعليق صدور الصحف في السودان والمتهم الوحيد جهاز الأمن والمخابرات الوطني.. تلك (الإجراءات) ينظر إليها الوسط الصحفي باعتبارها قرارات (تعسفية) ومؤشرا لضيق الجهاز التنفيذي في السودان بهامش الحرية الصحفية المتاح.. الذين يقفون خلف تلك القرارات في الجهاز القابض يستندون إلى المادتين (24، 25د) من قانون الأمن الوطني لعام 2010م، واللتين تخولان للجهاز مصادرة وإغلاق أي مطبوعة تهدد الأمن القومي.. الخلل أو (الميوعة) في هاتين المادتين أن تقدير تهديد الأمن القومي يختلف من ضابط إلى آخر.. الجهاز يعلق الصحيفة أولا ثم من بعد ذلك يحيل الأمر إلى القضاء، بيد أن قراره غير قابل للنقض أو الاستئناف كما هو الحال بالنسبة لصلاحيات المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الذي كثيرا ما طُعن أوامره بإغلاق الصحف حتى يبت القضاء في المسألة موضوع النـزاع.. سبق للجهاز بأن أغلق صحيفة (الجريدة) تحت طائلة تهديد الأمن الوطني وبعد (3) شهور من الإيقاف القسري قال القضاء كلمته وفرض غرامة لا يعتد بها وأمر القاضي بعودة الصحيفة إلى الصدور، وكانت تلك الواقعة دليلا على عدم واقعية تلك الصلاحيات المطلقة لجهاز الأمن.. اليوم بلغ عدد الصحف التي تم إيقافها (3) صحف.. لا أدري ما هي المصلحة في إثارة النقع حول هامش الحرية الصحفية المتاح وفي الحقيقة هو هامش له اعتباره إذا ما تمت المقارنة بينه وبين الحال في العديد من دول الجوار الإقليمي.. صحيح أن بعض الصحف تتجاوز الخطوط الحمراء وتقع في المحظور ربما في ظل حماس طاغ أو سباق غير محسوب النتائج لتقديم الجديد والمثير الذي يرفع نسبة التوزيع في ظل منافسة شرسة بين (50) صحيفة بينها حوالي (22) صحيفة سياسية في السودان، لكن يظل المطلوب أن يقتصد جهاز الأمن في استخدام تلك المواد المزعجة وأن يعمل على اجتراح وسائل غير الإيقاف والمصادرة تمنع الصحف من تهديد الأمن القومي. بالإضافة إلى (سطوة) جهاز الأمن فهناك معاناة أخرى ويبدو أن الحكومة (مبسوطة) من التداعي المخيف في الجسم الصحفي عموما.. الوضع الاقتصادي الضاغط لا يصيب الحلقات الضعيفة في العملية الاقتصادية بل يدمرها تدميرا.. الصحف باعتبارها مؤسسات اقتصادية تعتبر أضعف الحلقات.. إن ماطل المعلن ولم يدفع ما عليه من التزامات للصحف، فإن الصحف ستنشر له رغم ذلك، لأن (الخسارة) حاصلة سواء نشرت له أو لم تنشر.. فتكاليف الصدور اليومي مستمرة ما دامت الصحيفة تصدر، وليس من المنطق الامتناع عن نشر أي إعلان.. المعلن والشركات واحدة من الحلقات القوية في صناعة الصحافة، يسدد متى شاء وكيف ما شاء.. والمطابع تستطيع أن تمنع طباعة أي صحيفة إن تأخرت في دفع ما عليها من التزامات وهي غير معنية بعدم سداد المعلن لالتزاماته تجاه الصحيفة (المسكينة).. بل إن اتفاق (جنتل مان) بين المطابع وبرعاية المجلس القومي للصحافة والمطبوعات، بأن تلتزم أي مطبعة بعدم طباعة أي صحيفة ما لم تقدم (خلو طرف) أو (صك براءة) من المطبعة التي تطبع فيها الصحيفة.. دعم الدولة للصحافة (المزعجة) يتلخص في (المطاردات) التي يشنها مجلس الصحافة على الصحف التي تتأخر في سداد الرسوم السنوية، وديوان الضرائب أبداً لا يتأخر من جانبه في إرهاب الصحف التي تعجز عن سداد الضرائب المفروضة عليها.. الصحفيون في السودان هم أشبه بمغامرين لا يجرؤون، ولم يجرؤ أسلافهم، على تقدير نهايات مشوارهم المهني، خصوصاً أن اللا استقرار يسمُ حياة كل منهم منذ لحظة نشر مقالته الأولى، أو حمله بطاقة من مؤسسته.