06 نوفمبر 2025

تسجيل

نجوت من القصف

24 ديسمبر 2013

كأنّيَ أمسِ رأيتُكِ، كنتِ تُفَلّين رأس البلادِ من الموت، كنْتِ تلمّين ما تنثر العادياتُ، كأنّي سمعتكِ أردفتِ: "ضبحاً"، رأيتُكِ أمسِ؛ تلمّستُ وجهَكِ، حين هربتُ من المورياتِ العشيّةَ قدحاً، قرأت خطوطَ يديكِ، حضنتكِ فجراً، بكيتُ على كتفيكِ، ولكنه الحلم؛ يذوب إذا ضلّ عنا البكاء، وينهرنا الصحو، فنبكي هناك، ونشكر لله أنّا رأينا قميص الشتاء، يحيط جهاتك، يرتّب فتنتك العامرة، فقولي: لماذا بحثت عن النفي بين سرايا اليقين؛ لماذا يجفّ الحنين؛ لماذا يخفّ الندامى إلى حزنهم؟ هو العشبُ مرثيّة في براري سؤالكِ، لكنّه الآن يذوي، قرأتُك، صُمْتُ ثلاثاً، ولكنّ ربعي شدّوا الرحال، فسلّم فيّ المغيبُ على الناسِ، وغافلني، واشترى ليَ قوساً، أسدّد منه على الذكريات البعيدة، وكانوا هناك، أبعثرهم في الغناء، وأمشي؛ وأعرج نحو خلاصِ المشبّه من صفحةٍ في البلاغةِ، وحين اشتباه النصوص ستبكين، وحين اقتباس ستبقين مثلي أسيرة حزنٍ معطّلْ؛ ستشقين فيهم يخرّون نجماً فنجماً، ويصلون نار الحروف، سيبكون شيئاً قليلاً، وينعون هذا الشجر، سلالة أحزاننا الطيبة.. وحين أقول: "كأنّي رأيتك أمسِ"، سيعني رأيتكِ، يعني رأيت خطوط يديك، ووشماً على جبهةٍ شاحبةْ، ويعني بأني حذفت من الموتِ يوماً، وبعضاً من اليوم، لأكتب فيك قصيدة، لأسرق ما نفضته النجوم من البرق، دسّته في غيمة صاخبة، ويعني بأني اقتربت من الموت أيضاً، وجاملت حزن القرى فبكيت، وتركت النهاوند يعدو وحيداً إلى أيّ بيت، في سطور القصيدة، يعني بأني تلكّأت، ولم ينحنِ شجرٌ كي يظللني، بكيتُ.. ولكن رأيتكِ آهٍ رأيتك، تفلّين رأس البلاد من الموتِ، تطوف الشموس ببابك؛ فأخجل من كلّ البكاء، وأبكي. لعينيكِ هذا المدد؛ لعينيك سبع من المعصرات، وثلجٌ يغيم على المقلتين، ونجوى بلد، وكنت أفتش في مقلتيك عن النازحين، عن الشاهدين الشهود، وعن قمرٍ لا يزال يعود، وعن إخوةٍ في رؤوس الجبال، لعينيك كلّ هذا المسمّى الجلال، وصحراء ليلي القصيّة تعشب فيها الحكايا، وتذبل فيها الوصايا، لعينيك أرعى حديقة قلبي، وأشرح متن النصوص الجديدةْ، فأنت وأنتِ.. وأنتِ.. وشبّاكُ حلمِك حين رفعتُ يدي، وقوس احتمالات هذي الطلول التي تشرب الآن حزن المطر؛ لعينيكِ شوق المسافر حين يعودُ، ولكنّه غائبٌ في تخوم السفر، لعينيك هذا الخضمّ، وهذي الدروب التي ستطول، ورؤيا نؤجّلها كلّ حينٍ، وفوضى صور. نجوت من القصفِ؛ ليومٍ جديد سأحيا؛ فلا تنثري حنطتي للدجاج؛ ولا تقسمي حصّتي من وجبة اليوم على إخوتي؛ سأحيا ليومٍ جديدٍ؛ أرى الطائراتِ تعربدُ فوقي فأضحك، أرى الموت "يقرص" أذن أخي ثم أضحك، أرى جارتي جثّةً فوق جثّة بيتٍ فأضحك، نجوت ومن حقّ أمّي عليّ بأن أتباهى برأسي على كتفيّ، ليومٍ فقط.. ومن حقّ حروفي ارتكاب النقط.