07 نوفمبر 2025
تسجيلمن أنجح الندوات الدولية التي دعيت إليها تلك التي نظمتها وزارة الخارجية القطرية وجامعة الدول العربية والحكومة الصينية يومي 10 و11 نوفمبر الجاري وقام بإنجازها وتفعيلها المعهد الدبلوماسي القطري بكفاءة عالية وكان محورها ابتكار آليات تطوير العلاقات الصينية العربية وصدر عنها بيان شامل يتجه للمستقبل على ضوء التحديات العسيرة الراهنة والتحولات الجيوستراتيجية التي شملت العالم بأسره. وأعتقد بصدق أن مستوى المشاركين في أعمال الندوة من عرب وصينيين أعطاها من دقة التحليل وصحة التشخيص ونجاعة المقترحات ما جعل هذه الندوة محطة راقية وضرورية لرسم معالم خارطة طريق الحرير كما نتمناها. فقد جاء من (بيجين) وزير الخارجية الصينية السابق ورؤساء أكبر المؤسسات الأكاديمية والسياسية في جمهورية الصين وجاءت من العالم العربي نخبة سفراء وأساتذة جامعات وخبراء في التعاون العربي الصيني. وطريق الحرير هو الاسم التاريخي لمسالك التواصل بين الأمتين الصينية والعربية على مدى القرون وهو طريق آلاف الكيلو مترات يؤدي من وإلى الصين عبر حواضر وموانئ المشرق الإسلامي وكان معبرا لقوافل التجارة ولكن أيضا لتبادل الكتب والفنون والعلوم وعلى هذا الطريق مر الحرير الصيني إلى الشرق واستورد العرب الورق والحبر والبارود منذ 14 قرنا وطعموا علومهم في الفلك والطب والرياضيات والصيدلة بما لدى الصين من رصيد ثري كما صدر العرب إلى الصين إنتاجهم من مختلف الصناعات والتوابل والحرف الفنية وانتقل إلى السواحل الصينية تجار وعلماء وبحارة ودعاة وجغرافيون وبفضل مغامراتهم وجهودهم توثقت العلاقات وتحول طريق الحرير إلى طريق انتقال الثقافة والحضارة ولعل عهد الخليفة الأموي الصالح عمر بن عبد العزيز تميز ببعث أول سفير للصين هو القاضي جميع بن حاضر بعد فتح سمرقند (720 م) وبعد 30 سنة زار الصين رحالة بحار من سلطنة عمان هو عبد الله بن قاسم وسن مسلكا تجاريا ظل فاعلا لمدة طويلة. ويروي المؤرخون أن بابا المسيحية أراد سنة 1230 أن يرسل مع الرحالة (ماركو بولو) رسالة إلى إمبراطور الصين فسأل البابا مبعوثه بأية لغة يكتب الرسالة؟ فالبابا لا يجيد اللغة الصينية وإمبراطور الصين لا يعرف اللاتينية فقال له (ماركو بولو): «أنصحك أن تكتب له باللغة العربية النبيلة فإنها لغة الثقافة في العالم». هذه كانت منزلتنا ومنزلة لغتنا قبل 800 سنة أي قبل أن يصاب العرب بلوثة احتقار الذات وتأليه الأمم الغربية الطاغية. ونذكر بأن الخلافة الإسلامية ظلت متاخمة للحدود الصينية على مدى قرون، أي أن الأمتين كانتا جارتين، لكن لم تندلع بينهما حروب ولا قامت فتن ولا نشأت أزمات بسبب سماحة الإسلام لدى الخلافة وعقيدة السلام الكنفوشية الصينية، فكان الجوار الطويل حمال تقدم للحضارة الإنسانية في مجالات العلوم والآداب. وحان الوقت اليوم كما اقترحت أنا في مداخلتي أن تتحمل الصين الشعبية وهي عملاق بين العمالقة، أمانة فرض السلام في منطقة الشرق الأوسط، حيث تهب علينا عواصف الحروب الأهلية المفروضة وتنذر بمعاهدات جديدة بين القوى الإمبراطورية العاتية لتقاسم تركة الرجل المريض كما تقاسمه (سايكس بيكو) منذ قرن. فالصين مدعوة لإعادة إحياء روح (باندونج) وهي الروح التي تأسست عليها منظمة عدم الانحياز انطلاقا من مؤتمر (باندونج) سنة 1955 والذي نظمه الرئيس الإندونيسي آنذاك أحمد سوكارنو في جزيرة (باندونج) وكان بطله الأول الزعيم الصيني (شوأن لاي) وحضره الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس اليوغسلافي بروز تيتو والزعيم الهندي جواهر لال نهرو.