08 نوفمبر 2025

تسجيل

العالم بين أوهام الاستقرار وحتمية التغيير!

24 سبتمبر 2023

يتمنى الاستقرار كل من يستفيد من الوضع الراهن، ويحرص الذين ينهبون ثروات الشعوب على تزييف وعيها، ومنع انتشار أفكار جديدة تقدم حلولا لأزمات تراكمت ؛ فشكلت مأساة إنسانية عالمية.. لكن السؤال الذي أصبح يطرح نفسه بقوة هو هل يمكن تحقيق الاستقرار ؟! دعنا نسلم جدلا بأن القوة الغاشمة يمكن أن ترغم شعوب العالم على الخضوع والخنوع، فيستمر الطغيان يحكم الجنوب الذي يتزايد فقره وبؤسه، وتنهب الشركات الرأسمالية ثرواته.. فما نتائج ذلك الاستقرار ؟! أهم تلك النتائج أن يتجمد التفكير، وتفقد البشرية قدرتها على مواجهة التحديات، وتتوقف عن الكفاح لتحقيق التقدم وبناء الحضارة، وذلك بداية السقوط والفناء. ومن حسن حظ البشرية أن الاستقرار مستحيل، فالأحداث تشير إلى أن العالم سوف يشهد تغييرا يمكن أن يؤثر على كل جوانب الحياة، وأن الكثير من الدول يمكن أن تفقد قوتها الصلبة، وينهار اقتصادها، وتواجه شعوبها المجاعات والحروب الأهلية، في الوقت الذي يمكن أن تصعد فيه دول ؛ لتبني قوتها باستخدام أفكار جديدة. عالم جديد.. ولكن أين مكاننا فيه ؟! هناك حقيقة يمكن أن يدركها من يتابع الأحداث بعمق هي أن العالم الذي تشكل خلال القرن العشرين لم يعد قابلا للبقاء والاستمرار، مهما حاولت الدول الكبرى التي تسيطر على مجلس الأمن أن تحافظ عليه، والأمم المتحدة تناقص دورها في حفظ السلام العالمي، فلم تعد تستطيع أن توقف حربا عالمية ثالثة توشك أن تشتعل نارها لتحرق المنظومة العالمية بكل ما قامت عليه من ايديولوجيات. هناك أيضا الكثير من الدول التي غرقت في الديون، وستأتي اللحظة التي يدرك الجميع أنها لم تعد قادرة على تسديد الديون، ومع إفلاس هذه الدول ستتزايد حدة الأزمة الاقتصادية العالمية، وينطلق الجائعون ليرجموا مظاهر الرأسمالية بحجارتهم، وحتى الآن يبدو أنه لا مفر من مواجهة ثورة الجياع. أين حقوق الفقراء ؟! هل يمكن أن يستمر عالم تبلغ فيه نسبة الفقراء أكثر من 80 % من سكانه، منهم الملايين في دول نهبت الشركات الرأسمالية ثرواتها ؛ لذلك تزايدت كراهية الشعوب لأمريكا وأوروبا، والمشهد في افريقيا يكشف لنا الحقائق التي تسهم في استشراف المستقبل.هذه الشعوب التي تعاني الفقر والجوع لم تعد حريصة على شكل الدولة، ولا تهتم بالمحافظة على مؤسساتها، بل إنها أصبحت تنظر لهذه المؤسسات باعتبارها وسيلة استخدمها الاستعمار للتحكم في الشعوب وقهرها ؛ لذلك يمكن أن توجه الشعوب حجارتها نحو الأجهزة الأمنية التي استخدمها الطغاة في القهر الذي ارتبط بالفقر. أين الحكمة وقيادة التغيير؟! لذلك يحتاج العالم إلى قيادات جديدة تقدم رؤية لإنقاذ الدول من الركود والجمود والفقر والتخلف والطغيان، وتقود ثورات تغير الواقع، وتفتح المجال للشعوب لتعبر بحرية عن آمالها. وقيادات التغيير تدرك أن القوة الغاشمة تدمر الدول عندما تستخدم في قهر الشعوب، ومنعها من اختيار نوابها وحكامها بحرية، ليحموا حقوقها في الاستقلال الشامل.. لكن الغرب المستكبر المغرور بقوته لا يمكن أن يسمح بوجود هذه القيادات، وسيعمل على اسقاطها. أوضحت الكثير من التجارب أن الغرب فقد العقل والحكمة والخيال السياسي، فقلل فرص النجاح أمام الثورات التي تستخدم الكفاح السلمي والديموقراطية لتحقيق التغيير، لذلك تزايدت الفرص أمام ثورات الفقراء الجياع الذين لا يهمهم الدول ومؤسسساتها، ويمكن أن يدمروا كل شيء. أما الحروب الأهلية فستكون النتيجة الطبيعية لتزايد الكراهية بين فئات الشعب، والرغبة في الاستئصال والنفي وقهر الآخرين. هل مازال هناك فرصة أمام حكماء العالم لحماية الحضارة الإنسانية، يجب أن نحاول البحث عن حلول جديدة، أهمها أن يتخلى الغرب عن غرور القوة، ويترك للشعوب الحرية لبناء تجارب ديموقراطية تختار فيها نوابا يقودون التغيير، وأن تتوحد الحركات الوطنية لتحقق أهدافا عظيمة من أهمها حماية حقوق كل الاتجاهات السياسية في المنافسة الحرة في انتخابات نزيهة. مازالت هناك فرصة لتحكيم العقل والضمير قبل أن تشتعل النيران.